سورة المائدة ٥: ٩١
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}:
{إِنَّمَا}: كافة مكفوفة، تفيد التوكيد.
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}: الخطاب موجَّه إلى الذين آمنوا.
وهل الشيطان قادر على إنفاذ ما يريد؟
الجواب: نعم إذا أطاعه الإنسان، واتبع خطواته، وأمرته نفسه الأمارة بالسوء، وضعف إيمانه، ولا يستطيع الشيطان أن يقهر أو يكره إنساناً على فعل شيء، ولكنه يُزين له الفعل، ويوسوس له، وليس له سلطة، أو قدرة على الإكراه، أو الإقناع: {لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} النحل: ٩٩-١٠٠.
فحين يُزين للإنسان شرب الخمر، ولعب الميسر: هذا بدوره يؤدِّي إلى العداوة والبغضاء.
{الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}: البغضاء: شدة الكراهية وعدم الرضا؛ ارجع إلى الآية (٦٤) من نفس السورة؛ للبيان.
والعداوة: تؤدِّي إلى البغضاء، أو بالعكس، وكثيراً ما نرى حوادث القتل والإجرام تحدث في أماكن شرب الخمر والقمار.
{فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}: ولم يذكر الأنصاب والأزلام، واكتفى بالخمر والميسر، ونسب وقوع العداوة والبغضاء إلى الشيطان؛ لأنه هو المُزين لهما، والموسوس بفعلها.
{فِى}: هنا تفيد السببية؛ أيْ: بسبب الخمر، والميسر، أو ظرفية؛ تعني: في فعلها العداوة والبغضاء.
{وَيَصُدَّكُمْ}: أيْ: يصرفكم عن ذكر الله، وعن الصلاة.
ونلاحظ تكرار (عن)؛ لأن الشيطان قد يصدّ عن ذكر الله وحده، أو عن الصلاة وحدها، أو كليهما معاً، فكلٌّ من الذكر والصلاة منفرد بذاته.
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}: الفاء: للتوكيد، هل: للاستفهام بمعنى: الأمر، والنهي؛ أي: انتهوا.
وكان تحريم الخمر تدريجياً على أربع مراحل:
المرحلة الأولى: قيل: إن أول آية جاءت في سياق التحريم هي قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} النحل: ٦٧.
المرحلة الثانية: ثم نزلت الآية: {يَسْـئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَّفْعِهِمَا} البقرة: ٢١٩. بعد أن سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر والميسر.
المرحلة الثالثة: ثم نزلت الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} النساء: ٤٣.
المرحلة الرابعة: ثم نزلت الآية الأخيرة، وهي قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} المائدة: ٩٠.
بالتحريم المطلق في الدنيا.
وهكذا كان تدرّج الأحكام، خطوةً خطوةً، حتى تألف النفوس، وتتربَّى على التقوى، وتبتعد عن الإثم، والمعصية بحكمة، وتفكير، فلا تعود إليها بعد تركها.
وهذه المراحل تتناسب، أو تطابق ترتيب نزول السور، فسورة النحل ترتيب نزولها (٧٠)، أما سورة البقرة فترتيب نزولها (٨٧)، وأما سورة النساء فترتيب نزولها (٩٢)، وأما سورة المائدة فترتيب نزولها (١١٢).