سورة البقرة ٢: ٨٤
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}:
الخطاب لا يزال موجَّهاً إلى بني إسرائيل.
{وَإِذْ}: للزمن الماضي؛ بمعنى: واذكر إذ أخذنا ميثاقكم، وفي الآية السابقة، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ}.
أي: الميثاق؛ يتضمن جزأين: الجزء الأول؛ الذي ذكر في الآية السابقة: {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
والجزء الثّاني؛ المذكور في هذه الآية: {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}: أو هو ميثاق آخر أخذه الله عليهم.
{لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}: لا: الناهية. {تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}: السفك: هو الصب؛ أي: سيل الدماء، أو إهراق الدماء، والقتل الجماعي؛ أي: لا يسفك كل واحد دم أخيه، ولا يسفك بعضكم دم بعض، والخطاب هنا للجماعة، وليس للفرد، وذلك؛ لأنّ الحكم هو عائد للجماعة الإيمانية؛ الّتي تمثل الفرد، والفرد يمثل الجماعة؛ لأنّ المؤمنين كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
فحين يقتلون إخوانهم كأنهم يقتلون أنفسهم، وهذا معنى {لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ}.
{وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}: أي: لا تخرجون إخوانكم من ديارهم، بالجلاء، والحرب، فإذا فعلتم ذلك كأنكم أخرجتم أنفسكم من دياركم}.
{ثُمَّ}: للتعقيب، والتراخي الزمني؛ أي: أقررتم بالميثاق، الذي أقرَّه آباؤكم وأجدادكم.
{أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}: وأنتم اليوم، تشهدون على ذلك الميثاق، بعدم القتل، وبعدم الإخراج.
فالإقرار على الميثاق، كان من السلف، ثم تم الإقرار، والشهادة، من الخلَف، على الميثاق نفسه.