سورة الأعراف ٧: ٤
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}:
ينتقل في هذه الآية، والآيات القادمة؛ للتحذير من عدم اتباع ما أنزل الله، واتباع رسله بالهلاك.
{وَكَمْ}: الواو: استئنافية، كم: الخبرية، وتفيد الكثرة؛ أيْ: عدد القرى المهلكة كثيرة جداً.
{مِنْ}: ابتدائية.
{قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}: ذكر القرية، والمراد بها أهلها، والقرية؛ تعني: المنازل، وساكنيها معاً.
{أَهْلَكْنَاهَا}: الهلاك؛ يعني: الموت بشكل عام، وتستعمل للإنسان، وغير الإنسان؛ الحرث، والحيوان، والنسل، والأموال، والبنيان.
والهلاك ليس بالضرورة عقوبة؛ فالهلاك: كلمة عامة قد يعني: زوال النِّعمة، أو فقدان المال كقوله: {أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} البلد: ٦، وكقوله: {هَلَكَ عَنِّى سُلْطَانِيَهْ} الحاقة: ٢٩.
وهناك فرق بين الهلاك، والدمار. ارجع إلى سورة الإسراء، آية (١٦)؛ للبيان.
ولم يقل: كانت ظالمة، كما وصفها في سورة الحج، آية (٤٥)؛ لأنه سبحانه أشار إلى ذلك حين اعترف أهلها وقالوا: {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}، آية (٥) من نفس السورة.
وكذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} القصص: ٥٩.
{فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}: فجاءها: الفاء: للترتيب الذكري؛ لعطف المفصل على المجمل، البأس: العذاب، ونسب العذاب إليه -جل وعلا- ؛ بقوله: {بَأْسُنَا}: للتخويف، والحذر، والإنذار.
وكلمة: {فَجَاءَهَا}: المجيء فيه معنى الصعوبة، والمشقة؛ مقارنة بكلمة أتاها: التي تدل على السهولة، واليسر.
{بَيَاتًا}: سواء أكانوا نائمين، أم غير نائمين؛ لأن معنى بات فلان: أظله المبيت، وأجنه الليل، سواء أنام، أم لم ينم.
{أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}: أيْ: في زمن القيلولة، والاستراحة، والنوم، ويكون ذلك بعد الظهر عادة، وهنا لا بُدَّ من سؤالين: الأول: لماذا قال: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}، بعد أن قال: {أَهْلَكْنَاهَا}؛ لأن البأس (العذاب): يأتي عادة قبل الإهلاك، الجواب هذا يسمَّى: التفصيل بعد الإجمال.
السؤال الثاني: لماذا اختار وقت الراحة، أو النوم؟
الجواب: كي يكون الحدث مرعباً، ومفجعاً، وهم على غير استعداد، وحيطة، والله -جل وعلا- قادر على أن يأخذهم في أي زمن، ومكان، وحال سواء في تقلبهم، أم هم على حيطة، وحذر، كما قال تعالى في سورة النحل، آية (٤٥-٤٧): {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.