لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا
فإن لفظ بني اللقيطة لا يقوم غيره من الألفاظ مقامه لكونه علما على قوم مخصوصين فيحتاج الناثر أن يبقيه بلفظه، كما فعل «ضياء الدين بن الأثير» في قوله في نثر البيت المذكور: لست ممن تستبيح إبله بنو اللقيطة، ولا الذي إذا همّ بأمر كانت الآمال إليه وسيطة؛ ولكني أحمي الهمل، وأفوت الأمل، وأقول سبق السّيف العذل. وكذلك كل ما جرى هذا المجرى ونحوه.
الحال الثاني- أن يكون في البيت لفظ رائق
، قد أخذ من الفصاحة بزمامها، وأحاط من البلاغة بجوانبها، فيبقيه على حاله، ويقرنه بلفظ يماثله ويوازنه، قال في «المثل السائر» : وهناك تظهر الصنعة في المماثلة والمشاكلة، ومؤاخاة الألفاظ الباقية بالألفاظ المرتجلة، فإنه إذا أخذ لفظا لشاعر مجيد، قد نقحه وصححه، فقرنه بمالا يلائمه كان كمن جمع بين لؤلوة وحصاة؛ ولا خفاء بما في ذلك من الانتصاب للقدح، والاستهداف للطعن.
قال: وهو عندي أصعب منالا من نثر الشعر بغير لفظه؛ لأنه يسلك مضيقا لما فيه من التعرض لمماثلة ما هو في غاية الحسن والجودة. بخلاف نثر الشعر بغير لفظه فإن ناثره يتصرف فيه على حسب ما يراه، ولا يكون مقيدا فيه بمثال يضطر إلى مؤاخاته؛ ومثّل لذلك بقول أبي تمام في وصف قصيدة له:
حذّاء «١»
تملأ أذن حكمة ... وبلاغة وتدرّ كلّ وريد
ثم قال: فقوله تملأ كل أذن حكمة من الكلام الحسن، وهو أحسن ما في البيت وأشهر، فلو قال قائل لمن هذا؟ قيل وهل يخفى القمر، وإذا عرف الكلام صارت المعرفة له علامة، ولم يخش عليه سرقة إذ لو سرق لدلت عليه الوسامة، ومن خصائص صفاته أنه يملأ كل أذن حكمة، ويجعل فصاحة كلّ لسان عجمة. فبقي لفظ «تملأ كل أذن حكمة» وأتى معها بما يناسبها من الألفاظ