الحسنة الرائقة. ونحو ذلك ما ذكره الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: أنه يؤاخي القرينة المحلولة بمثلها من عنده كما فعل هو في تقليد من التقاليد فقال: فكم ملّ ضوء الصّبح مما يغيره، ثم قال: وظلام النقع مما يثيره.
وقال أيضا: وفلّ حديد الهند مما يلاطمه، ثم قال: والأجل مما يسابقه إلى قبض النفوس ويزاحمه. والقرينتان الأولتان نصفا بيتين للمتنبي، فأضاف إلى كل قرينة ما يناسبها. قال وهذا من أكثر ما يستعمل في الكتابة.
الضرب الثالث وهو أعلى من الضربين الأولين: أن يأخذ المعنى فيكسوه ألفاظا من عنده ويصوغه بألفاظ غير ألفاظه
قال في «المثل السائر» : وثمّ يتبيّن حذق الصائغ في صياغته؛ فإن استطاع الزيادة على المعنى فتلك الدرجة العالية، وإلا أحسن التصرف وأتقن التأليف؛ ليكون أولى بذلك المعنى من صاحبه الأول.
ولتعلم أن الابيات الشعرية في حلها بالمعنى لها حالان.
الحال الأول: أن يكون البيت الشعر مما يتسع المجال لناثره في نثره
فيورده بضروب من العبارات. قال ابن الأثير: «وذلك عندي شبيه بالمسائل السيالة في الحساب التي يجاب عنها بعدّة من الأجوبة» . فمن ذلك قول أبي الطيب المتنبي:
لا تعذل المشتاق في أشواقه ... حتّى تكون حشاك في أحشائه
فهذا البيت يتصرّف في نثره في وجوه من المعاني. وقد نثر ابن الأثير هذا البيت فقال: «لا تعذل المحبّ فيما يهواه، حتّى تطوي القلب على ما طواه» . ونثره على وجه آخر فقال: «إذا اختلفت العينان في النظر، فالعدل ضرب من الهذر» . وكذلك قول المتنبي أيضا:
إن القتيل مضرّجا بدموعه ... مثل القتيل مضرّجا بدمائه