الغرّة وتحيي العرّة» «١» وقول بعض الكتّاب: سألت عن خبري وأنا في عافية لا عيب فيها إلا فقدك، ونعمة لا مزيد فيها إلا بك. وقول آخر: وقد علّمتني نبوتك سلوتك، وأسلمني يأسي منك إلى الصّبر عنك. وقول آخر: فتولّى الله النعمة عليك وفيك، وتولّى إصلاحك والإصلاح بك، وأجزل من الخير حظّك والحظّ منك، ومنّ عليك وعلينا بك. وقول الشاعر:
أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها
وما هجرتك النّفس أنّك عندها ... قليل ولا أن «٢» قلّ منك نصيبها
إذا علمت ذلك فقد اختلف البلغاء في أيّ الثلاثة أبلغ وأولى بالكلام، فذهب قوم إلى ترجيح الإيجاز، محتجّين له بأنّه صورة البلاغة وأن ما تجاوز مقدار الحاجة من الكلام فضلة داخلة في حيّز اللّغو والهذر، وهما من أعظم أدواء الكلام، وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصّناعة وغباوته، وقد قال الأمين محمد بن الرشيد: عليكم بالإيجاز فإن له إفهاما، وللإطالة استبهاما. وقال جعفر ابن يحيى لكتابه: إن قدرتم على أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا. وقال بعضهم:
البلاغة بالإيجاز أنجع من البيان بالإطناب، وقيل لبعضهم: ما البلاغة؟ قال:
الإيجاز. وقيل لابن حازم لم لا تطيل القصائد؟ فأنشد:
أبى لي أن أطيل الشّعر قصدي ... إلى المعنى وعلمي بالصّواب
وإيجازي بمختصر قريب ... حذفت به الفضول من الجواب
وذهبت طائفة إلى أن الإطناب أرجح، واحتجّوا لذلك بأن المنطق إنما هو بيان، والبيان لا يحصل إلا بإيضاح العبارة، وإيضاح العبارة لا يتهيأ إلا بمرادفة الألفاظ على المعنى حتّى تحيط به إحاطة يؤمن معها من اللبس والإبهام، وإنّ