وأما الصغائر فمختلف فيها: فمن زعم أنها واقعة منهم، احتج بما جاء في الأخبار والتفسير في حقهم، مما لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه، لكونه لا يقوم على ساق، وذلك كقصة داود - عليه السلام - (١)، فإن المنقول فيها مع عدم إسناده وتعذر صحته لا يليق بفضلاء المؤمنين، فكيف بالنبي المعصوم.
وظاهر القرآن لا يخرج منه ذلك الذي نقل.
ولولا خروجنا عما نحن بسبيله لتكلمنا على الآيات الواردة في حقه وفي حق غيره من الأنبياء، وبينا ما تحتمله من التأويل، ودفعنا تلك الأخبار المنقولة بما يجب، ولكنا نقول على ما يقتضيه الوقت: إن الذي ينبغي أن يقال:
إن الصغائر لا تتصور من الأنبياء عليهم السلام، أعني على قصد المخالفة لله، وإنما قد يفعلون شيئا باجتهادهم فيما لا يوحى إليهم فيه أمر فلا يوافقون في ذلك ما عند الله تعالى، فيكون الأخذ عليهم من هذه الجهة لعلو مقامهم، كما قال الله تعالى لنبيه - عليه السلام -: {عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِين َ} التوبة: ٤٣.
إذ كان مراد الله تعالى ألا يأذن لهم حتى يعلم الصادق منهم والكاذب.
وكما قال لنوح - عليه السلام - عندما نادى ربه في قصة ابنه: {فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} هود: ٤٦، والسؤال كله والدعاء إلى الله تعالى إنما هو فيما ليس للمكلف به علم.
لكن لما كان مقام نوح المقام الذي يكون للرسل نهي عن سؤاله
(١) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ١٨٩).