وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، وتقديم المعمول في {إِيَّاكَ} على فعلي (نعبد ونستعين)، يفيد الحصر والاختصاص، كما هو معلوم في اللغة، فيكون المعنى: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، وتكررت كلمة إياك لتفيد الاهتمام والتعظيم للرب جل في علاه. ومثله قول الله تعالى: كقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)} الآية البقرة، وقوله سبحاته: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)} الآية البقرة.
وإياك نعبد تنفي الشرك بأنواعه، وإياك نستعين تنفي الاغترار بالحول والقوة، وتثبت الافتقار الكامل التام لله والمذلة.
والآية متضمنة لتوحيد العبادة بأنواعها كلها، وأمثلة ذلك في كتاب الله كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر: ٦٠، وقوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)} البقرة.
«والعبادة: اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة» (١).
والعبادة لها عمودان وركيزتان لا تقوم إلا بهما وهما: كمال الذل وكمال المحبة.
و «العبادة المأمور بها تتضمّن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له … ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله» (٢).
و «لفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب، فإنهم يقولون: قلب متيَّم إذا
(١) العبودية (ص ٣٣ - ٣٥).
(٢) المرجع السابق (ص ٣٣ - ٣٥).