يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط؛ فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطيف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الركاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسلَّم، ومنهم المكردس (١).
فعلى العبد الناصح لنفسه، المكرم لها، الحريص على فكاك رقبته من النار، أنْ يجد في طلب الهدايتين جميعًا، هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والإلهام والرشاد، وعليه أن يبذل عمره كله في هذا المطلب العظيم، وأن يبذل دونه الهمم العوالي والمهج الغوالي، ذلك لأنه أعز مطلوب، وأجَل مرغوب، وأن يلح على الله في سؤال الهداية، وقد أمر الله عباده بذلك.
كما ثبت ذلك في أشرف حديث لأهل الشام عند مسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذرٍّ مرفوعًا، وهو حديثُ قدسيُّ: «يا عِبَادِي، كلُّكم ضالٌّ إلا مَن هَديتُه، فاسْتَهدُوني أَهدِكُم» (٢).
- والسورة قد «جمعت بين التوسل إلى الله تعالى بالحمد والثناء على الله تعالى وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة» (٣).
وقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)}.
فقَوْلُهُ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
«أَيْ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ -عليهم السلام-، وَقِيلَ: هُمْ كُلُّ مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ مِنَ
(١) مدارج السالكين (١/ ١٦).
(٢) رواه مسلم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر الغفاري.
(٣) مدارج السالكين (١/ ٢٤).