والقرآن قد «جعلت آياته محكمة النظم والتأليف، واضحة المعاني بليغة الدلالة والتأثير، فهي كالحصن المنيع، والقصر المشيد الرفيع، في إحكام البناء، وما يقصد به من الحفظ والإيواء مع حسن الرواء، فهي لظهور دلالتها على معانيها ووضوحها لا تقبل شكًّا ولا تأويلًا، ولا تحتمل تغييرًا ولا تبديلًا» (١).
أحكمت آياته: فـ «نظمت نظمًا رصينًا محكمًا، لا يقع في نقض ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف» (٢)، ربنا تبارك وتعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} الزمر: ٢٨.
فـ «لا اختلال فيه بوجه من الوجوه» (٣).
فقد أحكمها أحكم الحاكمين، وفصَّلها العليم الخبير.
ولمَّا نزل القرآنُ أعجزَ أربابَ الفصاحةِ وملوكَ البلاغة والبيان من صناديد قريش، فأذعنوا لسلطانه وأبهرهم بيانه، وشهدوا لإعجازه وفصاحته وبلاغته، والحق ما شهدت به الأعداء، ومن عاند منهم وجحد لم يستطع أن يطعن فيه ولو بكلمة واحدة، ولكن رموا مَن بلَّغه عن الملك الوهاب -صلى الله عليه وسلم- بالبهتان والسباب وقالوا: {هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ … (٤)} ص.
بل تخطى حاجز الإقرار بالإعجاز وحسن البيان من الإنس إلى الجان، فلما سمعوه قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١)} الجن.
كانت هذه التوطئة كمقدمة لبيان عظمة القرآن في إعجازه وبلاغته، وعلم المناسبات لا شك مما يدل على إعجاز القرآن الكريم من كل الوجوه.
و «علم المناسبات علم عظيم أُودعت فيه أكثر لطائف القرآن وروائعه، وهو أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول.
(١) تفسير المنار لرشيد رضا (١٢/ ٤).
(٢) الكشاف للزمخشري (٣/ ١٨١).
(٣) تفسير الألوسي (٢٣/ ٢٦٢).