وهو: علم شريف تحزر به العقول، ويعرف به قدر القائل فيما يقول» (١).
«ومَن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه فهو أيضًا بسبب ترتيبه ونظم آياته» (٢).
ومما سبق إيضاحه وبيانه يتبين أن نظم آيات القرآن يعجز الخلق أجمعين عن الإتيان بمثله، فدل ذلك على أن ترتيب آيات القرآن أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه.
ومن الأهمية بمكان بيان مفهوم علم المناسبات في اللغة والاصطلاح.
أولًا: المناسبة في اللغة: المقاربة والمشاكلة (٣).
- واصطلاحًا: هي علم تعرف منه علل ترتيب أجزاء القرآن (٤).
وبمعرفة علم المناسبات يتضح ويتبين إعجاز القرآن واتساق آياته وتناسقها على وجه من الكمال والجمال والجلال، وهذا مما يظهر إعجازه وبلاغته على صفة تشهد أنه كلام الله المعجز بلفظه المتحدى به، فلو كان كلام بشر لاختلت معانيه ولاضطربت مبانيه، ولوجدوا فيه من الاختلاف ما يمكنهم معه من الطعن فيه.
وفي نحو ذلك يقول الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} النساء.
ومن فوائد وثمار معرفة علم المناسبات أنه
١ - يعين على إبراز أوجه الصلة والتناسب بين السور والآيات ومعرفة علاقة الآية أو السورة بسابقتها ولاحقتها، وهذا مما يقرب فهم معاني القرآن وبيان مقاصده ووضوح مراميه، لمفسره أولًا، ومِن ثَمَّ لقارئه ومتدبره وتاليه.
٢ - ويعين أيضًا على إدراك الحكمة من التشريع والترابط بين أحكام الشريعة في
(١) البرهان (ص: ٣٥).
(٢) والكلام للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي في حديثه عن سورة البقرة: وينظر: (نظم الدرر: ١/ ٩، والإتقان (٢/ ١٣٨).
(٣) الإتقان للسيوطي (٢/ ١٣٩).
(٤) نظم الدرر للبقاعي (١/ ٦).