المطلقة: هي التي تجمع معاني الافتقار والتبرؤ من الحول والقوة وإظهار الضعف، وحصر ذلك كله في ذات الله تعالى بتقديم المعمول المفيد للحصر والقصر كما تقدم، وهما أي: (العبادة والاستعانة) من أفعال العباد، الذي هو الإقرار لله تعالى بالألوهية.
يقول الشنقيطي -رحمه الله-: والمعنى أن: «لا نطلب العون إلا منك وحدك، لأن الأمر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة.
وإتيانه بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} بعد قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة لأن غيره ليس بيده الأمر» (١)، وكلام الشنقيطي يؤكد أيضًا تقرير الألوهية.
ويقول ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- (٢): «وهذه الكلمة قد قيل: إنها تجمع سر الكتب المنزلة من السماء كلها؛ لأن الخلق إنما خلقوا ليؤمروا بالعبادة، كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} الذاريات وإنما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب لذلك، فالعبادة حق الله على عباده، ولا قدرة للعباد عليها بدون إعانة الله لهم، فلذلك كانت هذه الكلمة بين الله وبين عبده، لأن العبادة حق الله على عبده.
والإعانة من الله فضل من الله على عبده» (٣).
وقال الشوكاني -رحمه الله-: «والمعنى: نخصُّك بالعبادة، ونخصك بالاستعانة، لا نعبد
(١) أضواء البيان للشنقيطي (١/ ٨).
(٢) ابن رجب (٧٣٦ - ٨٩٥ هـ)، هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، أبو الفرج، ولد ببغداد، وتوفي بدمشق من علماء الحنابلة؛ كان محدثًا حافظًا فقيهًا أصوليًّا ومؤرخًا، أتقن فن الحديث وصار أعرف أهل عصره بالعلل، وتتبع الطرق. من تصانيفه: (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) المشهور بقواعد ابن رجب في الفقه، و (جامع العلوم والحكم) وهو شرح الأربعين النووية، و (شرح سنن الترمذي) ومعه (شرح العلل) آخر أبوابه، و (ذيل طبقات الحنابلة).
الدرر الكامنة ٢/ ٢٢١؛ وشذرات الذهب (٣/ ٣٣٩)؛ ومعجم المؤلفين (٥/ ١١٨).
(٣) تفسير ابن رجب الحنبلي (١/ ١٧٠).