والآخرة: «هي الكَرة الثانية، سميت آخرة لتأخرها عن الدنيا،) حبطت أعمالهم) أي: بطلت، فلم تعقب نفعًا، والمراد جزاء أعمالهم» (١)، وقد سَألت عائشةُ -رضي الله عنها- النبيَ -صلى الله عليه وسلم-، قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» (٢).
وكما قال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٣١)} الأنعام.
يبين ابن كثير -رحمه الله- معنى الآية فيقول: «يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ خَسَارَةِ مَنْ كَذَّبَ بِلِقَاءِ اللَّهِ وَعَنْ خَيْبَتِهِ إِذَا جَاءَتْهُ السَّاعَةُ بَغْتَةً، وَعَنْ نَدَامَتِهِ عَلَى مَا فَرَّطَ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَا أَسْلَفَ مِنْ قَبِيحِ» (٣).
ويضيف القرطبي -رحمه الله- موضحًا معنى الآية {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} فيقول: «قيل: بالبعث بعد الموت وبالجزاء» (٤).
ثالثًا: ومما يُستدل به أيضًا على وجوب الإيمان باليوم الآخر إضافة لما سبق ذكره.
١ - أنه تقرر ثبوت وقوع يوم القيامة بعموم أدلة الكتاب والسنة ولا شك في ذلك أبدًا، وقد مرّ معنا آنفًا سياق بعض الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الإيمان باليوم الآخر وأنه أحد أركان الإيمان الستة وتبين حكم منكره وجاحده والعياذ بالله.
وإن العقل السوي لا يتصور انتهاء الحياة الدنيا بموت الخلائق دون إثابة للطائعين ومحاسبة ومعاقبة المتمردين العاتين عن أمر رب العالمين، ودون القصاص فيما وقع بين العباد من مظالم في دار الفناء ورد المظالم لأهلها، وإلا لكان خلق
(١) تفسير القاسمي (٧/ ٢٨٥٦).
(٢) مسلم (٢١٤).
(٣) تفسير ابن كثير (٣/ ٢٥٠).
(٤) تفسير القرطبي (٦/ ٣٢١).