ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «وهو سجود الذل والقهر والخضوع فكل أحد خاضع لربوبيته ذليل لعزته مقهور تحت سلطانه تعالى» (١).
وسجود الكائنات كلها سجود ذل وخضوع وخوف من خالقها وبارئها سبحانه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)} النحل: ٤٩ - ٥٠.
حتى الشمس تسجد تحت العرش خاضعة لسلطان خالقها، قال سبحانه: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ … الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)} يس: ٣٨ - ٤٠.
ثبت عند البخاري من حديث أَبِي ذَر الغفاريّ -رضي الله عنه- قال: كنتُ معَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في المسجدِ عِندَ غُروبِ الشمسِ، فقال: «يا أبا ذَرٍّ، أتَدري أينَ تغرُبُ الشمسُ»، قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: «فإنها تَذهَبُ حتى تَسجُدَ تحتَ العرشِ، فذلك قولُه تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ … الْعَلِيمِ (٣٨)}» (٢).
وثبت في الصحيحين من حديث أَبِي ذَر الغفاريّ -رضي الله عنه- أيضًا قَالَ: سأَلتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن قولِه: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} يس: ٣٨، قال: «مُستقَرُّها تحت العرش» (٣).
«وَقد أنكر قومٌ سُجُود الشَّمْس وَهُوَ صَحِيح مُمكن. وَلَا مَانع من قدرَة الله تَعَالَى أَن يمكَّن كل شَيْء من الْحَيَوَان والجمادات أَنْ يسْجد لَهُ» (٤).
فالله تعالى قد أثبت سجود الكائنات وبين سبحانه صفة سجود بعضها وهو بفيء
(١) مدارج السالكين (١/ ١٠٧).
(٢) البخاري (٣١٩٩)، ومسلم (١٥٩).
(٣) ينظر التخريج السابق.
(٤) عمدة القاري (١٥/ ١١٩).