أصل الشقاء في اللغة: العناء والتعب (١) وهو الشدة والعسر (٢) والشقاء والشقاوة بالفتح ضد السعادة (٣).
الغرض الثاني: موقع اللام في (لتشقى): قال بعض النحويين أن هذه لام النفي وقال بعضهم هي لام الجحود (٤). وقال النحاس، سمعت ... أبا الحسن بن كيسان (٥) يقول في مثلها: إنها لام الخفض والمعنى عنده: ما أنزلنا عليك القرآن للشقاء (٦).
الغرض الثالث: الأقوال التي قيلت في قوله {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} قال مجاهد: هي مثل قوله: {مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} المزمل: ٢٠ فكانوا يعلقون الحبال في صدروهم في الصلاة (٧).
وعن قتادة: لا والله ما جعله الله شقياً، ولكن جعله رحمة ونوراً، ودليلاً إلى الجنة (٨).
وقال الضحاك: لما نزل القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- قام هو وأصحابه فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا ليشقى به (٩).
وروى القاضي عياض عن الربيع بن أنس، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى قام على رِجل ورفع الأخرى فأنزل الله تعالى: (طه) طه: ١ يعني طأ الأرض يا محمد {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (١٠) فالمعنى أنك تُتعب نفسك وتنهكها بالعبادة، وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة. (١١) وهذا يدل على قوله تعالى ({وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: ٧٨ وقوله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة: ١٥٨ وقيل: المعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، أي لتتعب تعباً شديداً، وتتأسف لفرط كفرهم وتتحسر على تقدم إيمانهم (١٢)، وقد جاء هذا في قوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} فاطر: ٨ وقوله: ...
(١) ينظر: الكشف والبيان ٢/ ٢٧ بالتحقيق السابق الذي نقلت عنه قول الحسين وتفسير القرطبي ١١/ ١٥٣.
(٢) ينظر: تهذيب اللغة ٢/ ١٩٠٨.
(٣) لسان العرب (شقا).
(٤) ينظر: إعراب القرآن للنحاس ٣/ ٢٢ وتفسير القرطبي ١١/ ١٥٣.
(٥) أبوالحسن بن كيسان: محمد بن أحمد بن إبراهيم كيسان الحربي، أبو الحسن النحوي، له المهذب في النحو، معاني القرآن، توفي سنة (٢٩٩ هـ)، ينظر: السير (١٦/ ٣٢٩)، بغية الوعاء (١/ ١٨).
(٦) إعراب القرآن ٣/ ٢٢.
(٧) رواه عنه ابن جرير في تفسيره ١٦/ ١٥٩ وابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢٤١٥، وينظر: تفسير ابن كثير ٣/ ١٤١
(٨) رواه عنه ابن جرير في تفسيره ١٦/ ١٥٩ وابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢٤١٥، وينظر: تفسير ابن كثير ٣/ ١٤١
(٩) رواه عنه الواحدي في أسباب النزول ص: ٢٥٠، وينظر: تفسير ابن كثير ٣/ ١٤١ وزاد المسير ٥/ ٢٦٨.
(١٠) الشفا ص: ٣٧، وقال عنه ابن كثير في تفسيره ٣/ ١٤١: " وهو مرسل ".
(١١) ينظر: تفسير القرطبي ١١/ ١٥٤ وأضواء البيان ٤/ ٤٣٤، وهناك أقوال حول هذا المعنى نسبها السيوطي لابن عباس وغيره. ينظر: الدر المنثور ٥/ ٤٥٩/ ٥٥٠ واللباب في أسباب النزول ص: ١٧٤/ ١٧٥.
(١٢) ينظر: تفسير القرطبي ١١/ ١٥٣ وأضواء البيان ٤/ ٤٣٣/ ٤٣٤، وحول هذا تفسير الطبري ١١/ ١٥٩.