قال الطبري: " ولكلا هذين القولين وجه حسن، ومذهب صحيح " (١) وذكر الزركشي قول سيبويه وقال عنه " وهذا أحسن من قول الفراء إنها تعليلية، أي كي تتذكر لما في إخراج اللفظ عن موضوعه (٢).
وأجاب الحسين رحمه الله بالقول المذكور في المتن، ويُفهم من قوله أن (لعلَّ) ههنا عنده بمعنى (كي). وهذا معنى أثبتته جماعة. لكن تقديره لما بعد (كي) فيه تكلف ظاهر. لا أرى له من الآية دليلاً أو حتى قرينة تشير إليه.
وهل هناك ما يجعل القارئ يفهم في مثل هذا السياق {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} طه: ٤٣ - ٤٤ أن غير فرعون هو فاعل يتذكر؟
ولم يأت كلام الله بالأحاجي والألغاز بل هو واضح ميسر لكل مدَّكر.
قال تعالى {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} النازعات: ١٧ - ١٩ والقرآن يفسر بعضه بعضاً.
وجاءت الآية بصيغة (لعل) تسهيلاً للأمر ورفقاً وبياناً لأن حصول أحدهما طريق إلى حصول المقصود، فلا يطلبان جميعاً في الابتداء (٣) والذي تطمئن إليه النفس، ألا تُخرج (لعلّ) عن معناها وتترك لتعمل على بابها ولا مانع من ذلك مع توجيه التوقع إلى البشر، كما قال سيبويه وغيره والله أعلم.
ثم إنه لا يجوز العدول عن ظاهر القرآن إلا بدليل يجب الرجوع إليه وهذه قاعدة يُستند إليها في الترجيح، إذ الأصل في نصوص القرآن أن تحمل على ظواهرها، وتفسر على حسب ما يقتضيه ظاهر اللفظ ولا يجوز أن يُعدل بألفاظ الوحي من ظاهرها إلا بدليل واضح يجب الرجوع إليه (٤) قال تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} سبأ: ٦ وقال: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} الرعد: ١٩.
(١) المصدر السابق
(٢) البرهان ٤/ ٥٧.
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٥/ ٢٤٦.
(٤) ينظر في هذه القاعدة وتفاصيلها: قواعد الترجيح ١/ ١٣٧ - ١٤٦.