بعموم المعنى، فأوردوا على هذا الظاهر هذا الإيراد " (١).
الثالث: أن ابن الزِّبَعْرى رام مغالطة. فالخطاب لأهل مكة ومعلوم أنهم عبدة أوثان لا عيسى ولا عزير.
قال الرازي: " واعلم أن سؤال ابن الزِّبَعْرى ساقط من وجوه.
أحدها: أن قوله إنكم خطاب مشافهة وكان ذلك مع مشركي مكة وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط.
وثانيها: أنه لم يقل ومن تعبدون بل قال وما تعبدون وكلمة ما لا تتناول العقلاء أما قوله تعالى {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} الشمس: ٥ وقوله {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ... الكافرون: ٢ فهو محمول على الشيء ونظيره ههنا أن يقال إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله، لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن ... الزِّبَعْرى ... ) (٢)
وقال ابن كثير: " وهذا الذي قاله ابن الزِّبعرَى خطأ كبير لأن الآية إنما نزلت خطاباً لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل ليكون ذلك تقريعاً وتوبيخاً لعابديها ولهذا قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} فكيف يورد على هذا المسيح وغزير ونحوهما ممن له عمل صالح ولم يرض بعبادة من عبده، وعوّل ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن (ما) لما لا يعقل عند العرب " (٣).
وقال الشنقيطي: "إن هذه الآية لم تتناول الملائكة ولا عيسى لتعبيره بـ (ما) الدالة على غير العاقل، وقد أشار تعالى إلى هذا الجواب بقوله {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} الزخرف: ٥٨؛ لأنهم لو أنصفوا لما ادعوا دخول العقلاء في لفظ لا يتناولهم لغة " (٤)
ثم إنه قيل: إنَّ هذه القصة لا تصح؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أفصحَ العرب وأنطقهم لساناً وأحضرهم جواباً كما وصف نفسه فلا يجوز أن يسكت على مثل هذا السؤال وقيل بل كان سكوته للاستخفاف؛ لأنه سئل سؤالاً محالاً فقال {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} (٥) ولم يقل (من) تعبدون، وقيل غير ذلك (٦).
(١) الصواعق المرسلة ١/ ٢٤١.
(٢) تفسيره ٢٢/ ١٩٣.
(٣) تفسيره ٣/ ١٩٩.
(٤) دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب ص: ١٥٩.
(٥) ينظر: تفسير السمرقندي ٢/ ٤٤٢.
(٦) ينظر: تفسير البيضاوي وحاشيته لشيخ زاده ٦/ ٧٤/ ٧٥، وروح المعاني ١٧/ ٩٤.