سورة الحج
قال تعالى {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} الحج: ١٥
٥٨ قال الحسين بن الفضل: (هذا كما يقول في الكلام للحاسد أو المعاند: إن لم ترض هذا فاختنق)
الكشف والبيان ٢/ ٤٧٧ (١).
الدراسة
قال ابن فارس: " الخاء والنون والقاف أصل واحد يدلُّ على ضيق، فالخانق الشِّعبْ الضَّيِّق، ... والخنق: مصدر خَنَقه يخنِقه خَنقاً ". (٢)
وفي هذه الآية تحقيق لوعد الله على أبلغ وجه، وفيها إيجاز بارع، واختصار رائع، وللمفسرين فيها عدة أوجه معروفة (٣):
قال قتادة: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيَّه محمَّداً -صلى الله عليه وسلم- {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ}
يقول: بحبل إلى سماء البيت، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} يقول: ثم ليختنق، ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ (٤).
قال الثعلبي: " هذا قول أكثر أهل التأويل ". (٥)
وإنما المعنى: من كان من الكفرة الحسدة له -صلى الله عليه وسلم-، يظن أن لن ينصر الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- فليمدد بحبل إلى السماء أي سماء بيته.
قال ابن قتيبة: " يعني سقف البيت، وكل شيء علاك وأظلك فهو سماء " (٦). {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} ليختنق بالحبل، فيشده في عنقه ويتدلّى مع الحبل المعلق في السقف حتى يموت، وإنما أطلق القطع على الاختناق؛ لأن الاختناق يقطع النفس بسبب حبس مجاريه، فلينظر إذا اختنق {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} أي: هل يذهب فعله ذلك ما يغيظه من نصر الله نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا أو في الآخرة.
(١) ت: صالح بن نمران الحارثي، ج: أم القرى.
(٢) مقاييس اللغة (خنق) ٢/ ٢٢٤.
(٣) ينظر: مجازالقرآن ٢/ ٤٦ وتأويل مشكل القرآن ص: ٢١٢/ ٢١٣ وتفسير الطبري ١٧/ ١٤٩/ ١٥٠
ومعاني القرآن للنحاس ٤/ ٣٨٨ وتفسير الرازي ٢٣/ ١٥/ ١٦ وأضواء البيان ٥/ ٥٠/ ٥١.
(٤) رواه عنه عبد الرزاق في تفسيره ٣/ ٣٣ وابن جرير في تفسيره ١٧/ ١٤٨ وابن أبى حاتم في تفسيره ٨/ ٢٤٧٧.
(٥) الكشف والبيان ٢/ ٤٧٧ بالتحقيق السابق.
(٦) ص: ٢١٢.