والصحيح أنهما قراءتان مشهورتان بأيهما قرأ القارئ فمصيب مع اختلاف معنييهما، فقد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظم ما قاله المشركون في الله وسخر المشركون بما قالوه، والمعنى بالضم: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكاً، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون (١)
وبذلك يعلم أن هذه الآية الكريمة على قراءة الأخوين فيها إثبات العجب لله تعالى ذكره فهي إذاً من آيات الصفات مع هذه القراءة، وقد تقدم في آخر سورة الأعراف الحديث عن صفة الاستواء ومذهب السلف في الإيمان بها والقول في بعض الصفات كالقول في الكل.
والعجب كذلك صفة من صفات الله الثابتة لله بالكتاب والسنة وإجماع السلف فقد روى البخاري عن أبى هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل) (٢)، وعنه -رضي الله عنه- قوله -صلى الله عليه وسلم- (قد عجب الله من صنيعكما بضيْفِكُما الليلة) (٣) وغيره مما روي (٤).
وفي هذا رد على الجهمية وغيرهم الذين ينفون العجب ويؤوِّلون ذلك بتأويلات فاسدة. و العجب من الصفات الفعلية فنثبتها لله سبحانه وتعالى على حسب ما جاءت به الأدلة وليس في إثباتها محذور البتة، فإنه عجب ليس كمثله شيء، فالقول في الصفات كالقول في الذات، فكما أننا نعتقد أن لله ذاتاً لا يشبهها ذوات المخلوقين، فالصفات يحذى فيها حذو الذات. (٥)
قال أبو حنيفة: " لا يشبه شيئاً من الأشياء من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية .. والفعل صفة في الأزل والفاعل هو الله تعالى، والفعل صفة في الأزل والمفعول مخلوق، وفعل الله تعالى غير مخلوق وصفاته في الأزل غير محدثة ولا مخلوقة، فمن قال: إنها مخلوقة، أو محدثة، أو وقف، أو شكَّ فيها فهو كافر بالله تعالى. " (٦)
(١) تفسير الطبري ٢٣/ ٥٣، بتصرف، وهنا تتجلى قاعدة: تنوع القراءات بمنزلة تعدد الآيات، ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ١٣/ ٣٩١/ ٣٩٢، وأضواء البيان ٢/ ٨ وقواعد التفسير ١/ ٨٨.
(٢) كتاب (الجهاد والسير) باب الأسارى في السلاسل، ح: ٣٠١٠، ص: ٤٩٧.
(٣) رواه الشيخان في صحيحيهما في حديث طويل واللفظ لمسلم (كتاب الأشربة) ح: ٥٣٥٩ ص: ٩١٧، ولفظ البخاري (لقد عجب الله – عز وجل – أو ضحك من فلان وفلانة) كتاب (التفسير) باب قوله (ويؤثرون على أنفسهم) ح: ٤٨٨٩، ص: ٨٦٧
(٤) ينظر على سبيل المثال: الشريعة للآجري ص: ٢٨٦ - ٢٨٧، والأسماء والصفات (باب ما جاء في العجب) ٢/ ٤١٥ - ٤١٧.
(٥) التنبيهات السنية ص: ١٦٣ بتصرف.
(٦) شرح الفقه الأكبر للملاّ علي القاري ص: ٣٢٣.