قال ابن تيمية: (قوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الأنبياء:٧٧، ضمن معنى: نجيناه وخلصناه، وكذلك قوله: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} الإنسان:٦، ضمن: يروى بها، ونظائره كثيرة) (١).
وكلا القولين صحيح؛ لأن الجميع قالوا بالتضمين في الآية (٢)، فأصحاب القول الأول ضمنوا من معنى على، وأصحاب القول الثاني ضمنوا النصر معنى يناسب تعديته بـمن كالإنجاء والتخليص ونحوها، وليس أحد التضمينين بأولى من الآخر.
ولذا لم أجد من جزم بترجيح أحد القولين، بل جمع الطبري بينهما حيث قال: (يقول: ونصرنا نوحاً على القوم الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا، فأنجيناه منهم، فأغرقناهم أجمعين) (٣).
والذي عليه أكثر المفسرين وغيرهم: ذكر القولين دون ميل لأحدهما مما يدل على تساويهما (٤).
قال السمرقندي: ({وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} الأنبياء:٧٧، أي: على القوم الذين كذبوا بآياتنا، يعني: كذبوا نوحاً بما أنذرهم من الغرق، ويقال: نصرناه من القوم، أي: نجيناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا) (٥).
وقال ابن الجوزي: (قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} الأنبياء:٧٧، أي: منعناه منهم أن يصلوا إليه بسوء، وقيل من بمعنى على) (٦).
(١) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٤٢.
(٢) وهو أسلوب بلاغي معروف عند العرب، بأن يُشربوا لفظاً معنى لفظ فيعطونه حكمه، وفائدته: أن تؤدي الكلمة معنى كلمتين، ينظر: مغني اللبيب ص ٦٤٨.
(٣) جامع البيان ١٦/ ٣١٩.
(٤) ينظر مثلاً: الجامع لأحكام القرآن ١١/ ٣٠٦، مغني اللبيب ص ٣١٦، لسان العرب ١٣/ ٤٢١، تفسير الثعالبي ٣/ ٥٩، أضواء البيان ٣/ ٧٧.
(٥) تفسير السمرقندي ٢/ ٤٣٣.
(٦) زاد المسير ٥/ ٢٧٢.