٣ - إجماع الجمهور على أن الطواف بالبيت لا تجزئ منه فدية ولا بدل، ولا يجزئ تاركه إلا العود لقضائه، وقياساً عليه كان نظيراً له: الطواف بالصفا والمروة، لا تجزئ منه فدية ولا بدل، ولا يجزئ تاركه إلا العود لقضائه، إذ كان كلاهما طوافين أحدهما بالبيت والآخر بالصفا والمروة. (١)
الترجيح: والقول الصواب هو: أن الطواف بالصفا والمروة فرض واجب، وعلى من تركه ناسياً أو عامداً العود لقضائه لا يجزئه غير ذلك، استناداً لقوة الدليل، واحتياطاً لأمور الدين. (٢)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الصواب في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)} البقرة:١٥٩
قال أبو جعفر الطحاوي: اللعن في كلام العرب هو الطرد والإبعاد - ومنه قول الله عزّ وجلّ: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} البقرة:١٥٩.
فكان لعنة الله عزّ وجلّ إياهم: طردهم عنه، وإبعادهم منه.
عن أبي عبيدة معمر بن المثني: (لعنهم الله) أي: أطردهم الله وأبعدهم، يقال: ذئب لعين، أي: مطرود، قال شَمَّاخ بن ضرار:
ذَعرتُ به القطا ونفيتُ عنه ... مقام الذئب كالرجل اللعين. (٣)
(١) تفسير الطبري (٢/ ٥٤).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢/ ٥٣)، وتفسير القرطبي (٢/ ١٨٨) وتفسير ابن كثير (١/ ٢٠٥).
(٣) مجاز القرآن (١/ ٤٦)، والبيت في ديوان الشماخ (٩٢).
والضمير في (به) يعود إلى (ماء) في البيت الذي قبله وهو: وماء قد وردت لوصل أروى عليه الطير كالورق اللجين.
وقوله (مقام الذئب كالرجل اللعين) يعني: مقام الذئب الطريد، واللعين: من نعت الذئب، وإنما أراد: مقام الذئب الطريد اللعين كالرجل.
ويقال: أراد مقام الذئب الذي هو كالرجل اللعين، وهو المنفي، والرجل اللعين لا يزال منتبذاً عن الناس، فشبه الذئب به.
(انظر: تفسير الطبري (٢/ ٥٨) - وتهذيب اللغة للأزهري (٢/ ٣٩٦).
وشماخ هو: الشماخ بن معقل بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني، شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، جمع بعض
شعره في ديوانه، شهد القادسية، وكانت وفاته في غزوة (موقان) سنة (٢٢ هـ). (الأعلام لزركلي - ٣/ ١٧٥).