فوجب بناء على هذا الأمر: إجبار الولي على أخذ المال إذا بذله القاتل. (١)
وهذا يؤدي إلى بطلان القصاص، الذي أوجبه الله بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} البقرة:١٧٨ لأنه إذا كان على كل واحد منهما إحياء نفس القاتل فعليهما التراضي على أخذ المال وإسقاط القود.
وبناء على هذا الأمر - أيضاً -: يلزم القاتل إذا طلب الولي داره وجميع ماله وإن كثر، أن يعطيه إياه، لأنه لا يختلف فيمن يلزمه إحياء نفسه حكم القليل والكثير، فلما لم يلزمه إعطاء أكثر من الدية عند القائلين بهذه المقالة، كان بذلك انتقاض هذا الاعتلال وفساده. (٢)
وعليه فإن غاية ما يدل عليه قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} البقرة:١٩٥. وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} النساء:٢٩ غاية ما يدل عليه:
أن يصير القاتل آثماً بالامتناع عن الدية، لا أن يملك الولي أخذها منه بغير رضاه. (٣)
القول الثاني: يشترط رضى القاتل في الانتقال من القود إلى الدية.
- وهذا قول: النخعي - والأوزاعي - والثوري - ومالك - وأبي حنيفة - وأحمد في أحد قوليه.
- ومن أدلة هذا القول:
١ - قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} البقرة:١٧٨ فالذي أوجبه الله جل وعلا في هذه الآية هو القصاص، وفي إثبات التخيير بينه وبين غيره زيادة في النص، فلا يجوز إلا برضى القاتل. (٤)
٢ - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء:٢٩
(١) أحكام القرآن للجصاص (١/ ١٥٦).
(٢) أحكام القرآن للجصاص (١/ ١٥٦).
(٣) بدائع الصنائع (٦/ ٢٨٥).
(٤) انظر: المغني (١١/ ٥٩٢)، وتفسير ابن كثير (١/ ٢١٦)