وما رواه أبو شريح الكعبّي. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم فتح مكة: (ألا إنكم معشر خزاعة، قتلتم هذا القتيل من هذيل، وإني عاقله، فمن قُتل له بعد مقالتي قتيل، فأهله بين خيرتين، بين أن يأخذوا العقل، وبين أن يَقتلوا). (١)
فظاهر هذه الأحاديث أنه لا يشترط رضى القاتل في الانتقال من القود إلى الدية. (٢)
- ورد هذا الاستدلال: بأن هذه الأحاديث غير موجبة الاستدلال، لاحتمال أن يكون المراد بها:
أن أخذ الدية لا يكون إلا برضى القاتل، وإنما أغفل ذكره لعلم المخاطبين به.
كقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} محمد:٤ فلم يذكر الرضا، والمراد: فداء برضى الأسير، فاكتفى بالمحذوف عن ذكره لعلم المخاطبين عند ذكر المال، بأنه لا يجوز إلزامه إياه بغير رضاه، كذلك ما جاء في هذه الأحاديث. (٣)
٣ - أن في أداء الدية صيانة للنفس عن الهلاك، قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة:١٩٥ وقال جل ذكره: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} النساء:٢٩.
فلما كان عليه إحياء نفسه، وجب أن يحكم عليه بذلك إذا اختار الولي الدية. (٤)
- ورد هذا الاستدلال: بأن على كل واحد أن يحي غيره إذا خاف عليه التلف، مثل أن يرى إنساناً يموت من الجوع فعليه إحياؤه بإطعامه وإن كثرت قيمته.
وإذا كان على القاتل إعطاء المال لإحياء نفسه، فعلى الولي أيضاً إحياؤه إذا أمكنه ذلك.
(١) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الديات - باب ولي العهد يرضى بالدية (حـ ٤٥٠٤ - ٤/ ٦٤٣) - والترمذي في سننه - كتاب الديات -
باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص (حـ ١٤١٠ - ٦/ ١٧٧) وقال: حديث حسن صحيح أ هـ ..
(٢) فتح الباري (١٢/ ٢١٤).
(٣) أحكام القرآن للجصاص (١/ ١٥٥).
(٤) انظر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٨٤) - وبداية المجتهد (٢/ ٧١٣).