وذكر الأقوال في ذلك، مرجحاً القول باشتراط الرضا بدلالة الآية، وهي: أن القصاص هو الواجب في القتل العمد، وأن العفو المذكور في الآية طارئ على القصاص ومغير لحق القاتل الذي كان له من القصاص، فيشترط رضاه في الحكم به عليه. وإليك بيان الأقوال في هذه المسالة، وأدلة كل قول فيها:
الأقوال في مسألة: هل يشترط رضى القاتل في الانتقال من القود إلى الدية:-
القول الأول: لا يشترط رضى القاتل في الانتقال من القود إلى الدية.
- وهذا قول: سعيد بن المسيب - وابن سيرين - وعطاء - ومجاهد - وأبي ثور - وابن المنذر وأحمد - وداود - وإسحاق - والشافعي - وأكثر فقهاء المدينة - وأصحاب مالك. (١)
- ومن أدلة هذا القول:
١ - قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} البقرة:١٧٨. فأوجب الله جلّ وعلا على القاتل أداء الدية إلى ولي الدم، مطلقاً عن شرط الرضا. (٢)
- ورد هذا الاستدلال: بأن العفو مشروط برضا القاتل إلا أنه تعالى ذكره لم يذكر رضا القاتل لأنه يكون ثابتاً لا محالة، لأن الظاهر من حال كل عامل أنه يبذل كل الدنيا لغرض دفع القتل عن نفسه، لأنه إذا قُتل لا يبقى له لا النفس ولا المال، أما إذا بذل المال ففيه إحياء النفس.
فلما كان هذا الرضا حاصلاً في الأعم الأغلب، ترك ذكره مع اعتباره. (٣)
٢ - ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يُؤدى، وإما أن يُقاد). (٤)
(١) انظر: المغني (١١/ ٥٩٢) - وبداية المجتهد (٢/ ٧١٢).
(٢) انظر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٨٤) - وتفسير أبي حيان (٢/ ١٥٢).
(٣) تفسير الرازي (٥/ ٥٢).
(٤) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الديات - باب: ولي العمد يرضى بالدية (حـ ٤٥٠٥ - ٤/ ٦٤٥)
والترمذي في سننه - كتاب الديات - باب: ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص (حـ ١٤٠٩ - ٦/ ١٧٧).