ففي هذه الآية الدلالة على أن الجنابة لا تنافي صحة الصوم، لم فيها من إباحة الجماع من أول الليل إلى آخره، مع العلم بأن المجامع في آخر الليل إذا صادف فراغه من الجماع طلوع الفجر فإنه يصبح جنباً ولا يتأتى له الغسل إلا بعد الفجر، ومع ذلك حكم بصحة صومه بقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} البقرة:١٨٧ (١).
٢ - حديث يعلى بن عقبة قال: أصبحت جنباً وأنا أريد الصوم، فأتيت أبا هريرة فسألته، فقال لي: أفطر، فأتيت مروان فسألته، وأخبرته بقول أبي هريرة فبعث عبد الرحمن بن الحارث إلى عائشة، فسألها، فقالت: كان النبي عليه السلام يخرج لصلاة الفجر ورأسه يقطر من جماع، ثم يصوم ذلك اليوم، فرجع إلى مروان، فأخبره، فقال: ائت أبا هريرة، فأخبره، فأتاه، فقال: إني لم أسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما حدثنيه الفضل، عن النبي عليه السلام ". (٢)
فدل هذا الحديث على: أن من طلع عليه الفجر وهو جنب: فإن صومه صحيح.
٣ - أن الغسل شيء يجب بالإنزال، وليس في فعله شيء يحرم على صائم، فقد يحتلم بالنهار فيجب الغسل ولا يحرم عليه، بل يتم صومه إجماعاً، فكذلك إذا احتلم ليلاً، بل هو من باب أولى. (٣)
القول الثاني: أن من طلع عليه الفجر وهو جنب: فلا صوم له.
- وهذا قول: أبي هريرة - والحسن بن صالح.
وكان أبو هريرة يروي ذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع عنه. (٤)
- ومن أدلة هذا القول:-
(١) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٢٣٢).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصوم - باب الصائم يصبح جنباً (حـ ١٨٢٥ - ٢/ ٦٧٩).
ومسلم في صحيحه - كتاب الصيام - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (حـ ٢٥٨٤ - ٧/ ٢٢٠)
(٣) فتح الباري (٤/ ١٧٥).
(٤) تفسير الرازي (٥/ ١١٠).