وقد ذكر الله تعالى أشياء في كتابه من الحج، ولم يرد بذكرها إيجابها، حتى لا يجزئ الحج إلا بإصابتها في قول أحد من المسلمين.
من ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} البقرة:١٥٨ وكل قد أجمع أنه لو حج ولم يطف بين الصفا والمروة، أن حجه قد تم، وعليه دم مكان ما نزل من ذلك.
فكذلك ذكر الله عز وجل المشعر الحرام في كتابه، ليس في ذلك دليل على إيجابه حتى لا يجزئ الحج إلا بإصابته.
(شرح معاني الآثار - ٢/ ٢٠٨ - ٢٠٩)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} البقرة:١٩٨.
غير دال على فرضية الوقوف بالمزدلفة، وإليك بيان هذه المسألة: فأقول وبالله التوفيق:
لم يختلف أهل العلم في أن المراد بالمشعر الحرام المذكور في الآية هو: المزدلفة.
ولكن اختلفوا في مسألة: هل الآية دالة على فرضية الوقوف بالمزدلفة؟ وذلك على قولين:
- القول الأول: أن الوقوف بالمزدلفة فرض لا يصح الحج إلا به. ومن تركه كان عليه الهدي، والحج من السنة التي بعدها.
- وهذا قول: عكرمة - والحسن البصري - والأوزاعي - والنخعي - والشعبي - والشافعي.
- ومن أدلة هذا القول:
١ - قول تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} البقرة:١٩٨. فظاهر الآية يقتضي فرضية الوقوف بالمزدلفة.
- وقد رد هذا الاستدلال: بأن هذه الآية ليس فيها دلالة على ما ذكروا، لأن الله جل وعلا أمر في هذه الآية بالذكر عند المشعر الحرام، ولم يأمر بالوقوف عند المشعر الحرام.
كما أن جمهور الأمة قد اتفقوا على أن الذكر عند المشعر الحرام غير فرض، فتركه لا يوجب نقصاً في الحج.