الدراسة
- الترجيح: والراجح هو القول الثالث بدلالة اللغة، فإن الرفث في اللغة: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من أهله. (١) فيجب حمل الآية على هذا المعنى العام. إذ لم يرد دليل يخص بعضه دون سائره.
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو خلاف القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨)} البقرة:١٩٨.
قال أبو جعفر الطحاوي: فذهب قوم إلى أن الوقوف بالمزدلفة فرض، لا يجوز إلا بإصابته.
واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} البقرة:١٩٨.
وقالوا: ذكر الله عز وجل في كتابه المشعر الحرام، كما ذكر عرفات، وذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته، فحكمها واحد، لا يجزئ الحج إلا بإصابتها.
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: أما الوقوف بعرفة، فهو من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته، وأما الوقوف بمزدلفة، فليس كذلك.
وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول الله عز وجل: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} البقرة:١٩٨ ليس فيه دليل على أن ذلك على الوجوب لأن الله عز وجل إنما ذكر الذكر، ولم يذكر الوقوف، وكل قد أجمع أنه لو وقف بمزدلفة، ولم يذكر الله عز وجل أن حجه تام.
فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب، ليس من صلب الحج، فالموطن الذي يكون ذلك الذكر فيه، الذي لم يذكر في الكتاب، أحرى أن لا يكون فرضاً.
(١) تهذيب اللغة للأزهري (١٥/ ٧٧).