يعنى لرؤية ماضية. وكما في قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)} الإسراء: ١٩.
يعنى: الآخرة - (فاللام) هنا للاستقبال والتراخي. فاحتمل ما في الحديث أن يكون إشارة إلى الحيضة الماضية، فيدل ذلك على أن العدة إنما هي الحيض.
وجائز أن يريد حيضة مستقبلة، إذ هي معلوم كونها على مجرى العادة، فليس الطهر حينئذ بأولى بالإعتبار من الحيض، لأن الحيض في المستقبل، وإن لم يكن الحيض مذكوراً فجائز أن يراد به، إذ كان معلوماً، كما أن الطهر لم يذكر بعد الطلاق، وإنما ذكر قبله، ولكن لما كان معلوماً وجوده بعد الطلاق إذ طلقها فيه على مجرى العادة، جاز رجوع الكلام إليه وإرادته باللفظ. ومع ذلك فجائز أن تحيض بعد الطلاق بلا فصل. فليس إذاً في اللفظ دلالة على أن المعتبر في الاعتداد به هو الطهر دون الحيض. (١)
وبعد عرض أدلة هذا القول، وبيان الرد عليها، يظهر لنا تناقض هذا القول وفساده.
القول الثاني: أن المراد (بالقرء) الذي أمر الله تعالى ذكره المطلقات أن يعتددن به هو: (الحيض).
فمتى لم تغتسل المرأة المطلقة من الحيضة الثالثة فزوجها أحق بها.
- وهذا قول: الخلفاء الأربعة - ومعاذ بن جبل - وابن مسعود - وأبي موسى الأشعري - وأبي حنيفة - وأحمد بن حنبل - والأوزاعي - والثوري (٢).
- ومن أدلة هذا القول:
١ - قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} البقرة:٢٢٨، فدل ظاهر النص على وجوب تربص المطلقة ثلاثة قروء كاملة، فيكون المراد (بالقروء) في الآية: الحيض.
(١) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٣٧٩).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢/ ٤٥٢) - وتفسير ابن كثير (١/ ٢٧٧). وتفسير البغوي (١/ ٢٦٦) - ومعاني القرآن للنحاس (١/ ١٩٥).