لأن من يقول إن المراد بالقرء: الطهر، يجوِّز أن تعتد المطلقة بطهرين وبعض طهر، لأنه إذا طلقلها حال الطهر اعتدت عنده بقية ذلك الطهر قرءاً، ثم قرءين بعده كاملين. وفي هذا مخالفة لظاهر نص الآية.
وأما إذا قلنا إن المراد بالقروء الحيض، فإن المطلقة تعتد ثلاث حيض كاملة وفي ذلك موافقة لظاهر نص الآية (١)
٢ - أن الغرض الأول من العدة: هو استبراء الرحم، والحيض هو الذي تستبرأ به الأرحام، دون الطهر، ويدل على ذلك:
أ- أن الاستبراء من الأمة بالحيضة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة". (٢) فأمر بالاستبراء بالحيض، فكذلك العدة ينبغي أن تكون بالحيض.
ب- قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} البقرة:٢٢٨، فالمراد بقوله: (ماخلق الله في أرحامهن) هو: الحيض. فحرم كتمان ما يأيتهن من الحيض، لأنه هو الذي يستبرأ به الرحم، وبكتمانه تحدث مفاسد كثيرة.
ج- أن الطهر مقارن للحبل، فدل ذلك على أن الاستبراء لا يقع بما يقارنه، وإنما يقع بما ينافيه وهو الحيض، فيكون دلالة على براءة رحمها من الحبل، فوجب أن تكون العدة بالحيض دون الطهر. (٣)
٣ - قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} الطلاق:٤ فدلت الآية على أن العدة تعتبر بالحيض دون الطهر.
(١) انظر: المغني لابن قدامة (١١/ ١٩٩). والإنصاف للمرداوي (٩/ ٢٧٩). وتفسير الرازي (٦/ ٩٠)
(٢) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب النكاح - باب في وطء السبايا (حـ ٢١٥٧ - ٢/ ٦١٤).
والدارمي في سننه - كتاب الطلاق - باب في استبراء الأمة (حـ ٢٢١٠ - ٢/ ٦١٠).
(٣) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٣٦٩).