فكان في هذا إخبار أبي ذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن أم ابن صياد أنها حملت به اثني عشر شهراً، فلم يكن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع لذلك، ولو كان محالاً لأنكره عليها، ودفعه من قولها، وفي ذلك ما قد دل أن الحمل قد يكون أكثر من تسعة أشهر على ما قد قاله فقهاء الأمصار في ذلك من أهل المدينة وأهل الكوفة وممن سواهم من فقهاء أهل الأمصار سوى هذين المصرين، وإن كانوا يختلفون في مقدار أكثر المدة في ذلك، فتقول طائفة منهم: إنه سنتان لا أكثر منهما، وممن كان يقول ذلك منهم أبو حنفية والثوري وسائر أصحاب أبي حنيفة.
وطائفة منهم تقول: هو أربع سنين لا أكثر منها، وممن كان يقول ذلك منهم كثير من قدماء أهل الحجاز، وبه يقول الشافعي.
وطائفة منهم تقول: إنه يتجاوز ذلك إلى ما هو أكثر منه من الزمان، منهم مالك بن أنس.
واحتجنا عند اختلافهم هذا إلى طلب الأولى مما قالوه من هذه الأقاويل.
فوجدنا الله عز وجل قد قال في كتابه العزيز: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} الأحقاف:١٥
فكان في ذلك جمع الحمل والفصال في ثلاثين شهراً، فلا يجوز أن يخرجا ولا واحد منهما عنها.
وإذا لم يكن في هذا الباب غير هذه الثلاثة الأقاويل اللاتي ذكرنا، فكان في قولين منها الخروج عن الشهور إلى ما هو أكثر منها، انتفى هذان القولان، إذ كان كتاب الله قد دفعهما، ولم يبق إلا القول الآخر الذي لم يخرج به قائلوه عن الثلاثين شهراً التي جعلها الله عز وجل مدة للحمل وللفصال جميعاً، وهو الحولان، فكان هو الأولى مما قيل في هذا الباب.
فقال قائل: فإذا جعلتم الحمل والفصال ثلاثين شهراً لا أكثر منها، فكم تكون مدة الفصال من هذه الثلاثين شهراً.