وليس في هذه الآية - عندنا - دليل على ذلك، لأنه قد يجوز أن تكون هذه الآية أنزلت للمحافظة على الصلوات كلها، الوسطى وغيرها.
فكانت الظهر فيما أريد وليست هي الوسطى، فوجب بهذه الآية المحافظة على الصلوات كلها، ومن المحافظة عليها حضورها حيث تصلى.
فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة التي يفرطون في حضورها: (لينتهين أقوام أو لأحرقن عليهم بيوتهم) يريد: لينتهين أقوام عن تضييع هذه الصلاة التي قد أمرهم الله عز وجل بالمحافظة عليها أو لأحرقن عليهم بيوتهم، وليس في شيء من ذلك دليل على الصلاة الوسطى أي صلاة هي منهن.
وقد قال قوم: إن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا، لم يكن لصلاة الظهر، وإنما كان لصلاة الجمعة
عن عبد الله، (١) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة في بيوتهم). (٢)
فهذا ابن مسعود يخبر أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك إنما كان للمتخلفين عن الجمعة في بيوتهم.
ولم يستدل هو بذلك على أن الجمعة هي الصلاة الوسطى، بل قال بضد ذلك وأنها العصر، وسنأتي بذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على ما قال من ذلك غيره من التابعين ..
(١) عبد الله هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، هاجر
الهجرتين وشهد المشاهد كلها، وشهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وكانت وفاته سنة (٣٢ هـ) (أسد الغابة -٣/ ٣٨٤).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد - باب: ما روي في التخلف عن الجماعة (حـ ١٤٨٣ - ٥/ ١٥٧)
وابن خزيمة في صحيحه - كتاب: الجمعة - باب: التغليظ في التخلف عن شهود الجمعة (حـ ١٨٥٣ - ٣/ ١٧٤).