وقد روي عن البراء بن عازب في ذلك، ما يدل على نسخ ما روي في ذلك عن حفصة رضي الله عنها وعائشة رضي الله عنها. عن البراء بن عازب، قال: نزلت (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله، ثم نسخها الله عز وجل فأنزل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} البقرة:٢٣٨. (١)
فأخبر البراء بن عازب في هذا الحديث أن التلاوة الأولى، هي ما روت عائشة وحفصة رضي الله عنهما، وأنه نسخ ذلك التلاوة التي قامت بها الحجة.
فإن كان قوله الثاني: (والصلاة الوسطى) نسخاً للعصر أن تكون هي الوسطى فذلك نسخ لها.
وإن كان نسخاً لتلاوة أحد إسميها وتثبيت اسمها الآخر، فإنه قد ثبت أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
فلما احتمال هذا ما ذكرنا، عدنا إلى ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك عن علي رضي الله عنه، قال: (قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن صلاة العصر، حتى كادت الشمس أن تغيب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى ناراً، واملأ بيوتهم ناراً، واملأ قبورهم ناراً " قال علي رضي الله عنه: كنا نرى أنها صلاة الفجر). (٢)
فهذا علي رضي الله عنه قد أخبر أنهم كانوا يرونها قبل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا، الصبح، حتى سمعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ يقول هذا، فعلموا أنها العصر
(١) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب: المساجد - باب: الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (حـ ١٤٢٧ - ٥/ ١٣٣).
والبيهقي في سننه - كتاب: الصلاة - باب: صلاة الوسطى ومن قال هي صلاة العصر - (حـ ١/ ١ - /٤٥٩).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: الدعوات - باب: الدعاء على المشركين - (حـ ٦٠٣٣ - ٥/ ٢٣٤٩).
ومسلم في صحيحه - كتاب: المساجد باب: الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (حـ ١٤٢١ - ٥/ ١٢٩).