فالله جل وعلا إنما قال لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} البقرة:٢٦٠: لكي يظهر إقراره، فلا يظن أحد بعده أنه لم يكن مقراً بذلك في ذلك الوقت، وقد ظهر إقراره بقدرة الله على إحياء الموتى بقوله في هذه الآية (بلى). وبقوله في الآية المتقدمة في سياق محاجة النمروذ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} البقرة:٢٥٨ وعليه فلا مجال للقول بشكه بعد ذلك. (١)
ب- وأما قول الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أحق بالشك من إبراهيم": فلا يصح حمله على ظاهره، وعليه فإن معناه: (إذا لم أشك أنا، ولم أرتب في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام أولى بأن لا يشك فيه، وألا يرتاب). فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام. والمراد بالشك المنفي: الخواطر التي لا تثبت.
وأما الشك الذي هو بمعنى: التوقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر. فهذا منفي عن الخليل قطعاً، لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة.
القول الثاني: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن شاكاً في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى.
- وهذا قول: الجمهور. (٢)
الترجيح: والقول الراجح هو قول الجمهور. وهو أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن شاكاً في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، وإنما طلب المعاينة وأحب رؤية ذلك، كما أن المؤمنين يحبون رؤية الله جلا وعلا، ورؤية الرسل والجنة، مع إيمانهم بكل ذلك، ولا يعد هذا شكاً منهم في ذلك.
ثم اختلف أصحاب هذا القول في السبب الذي جعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يسأل ربه أن يريه عياناً إحياء الموتى، وإليك بيان الأقوال في ذلك:
(١) تفسير الماوردي (١/ ٣٣٤).
(٢) فتح الباري (٦/ ٤٧٥).