وأما القول بأنه عليه السلام عوقب على طلب الآية بحبس لسانه عن الكلام، فهو قول مرغوب عنه: لأن الله جل وعلا لم يخبرنا أنه ارتكب ذنباً يوجب العقاب، (١) كما أنه قول ينزه عنه كل من آمن بالله فكيف بمن اصطفي نبياً من الله.
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الصواب في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} آل عمران:٤٣
قال أبو جعفر الطحاوي: والعرب قد .. تذكر الشيئين، وتقدم ذكر أحدهما على ذكر الآخر، والمؤخر منهما في الذكر قد كان مقدماً في الفعل على المقدم منهما في الذكر، وذلك موجود في كتاب الله تعالى، قال الله عز وجل: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} آل عمران:٤٣. فذكر الركوع مؤخراً وهو في الصلوات التي يصليها المسلمون، وفي الصلوات التي كان أهل الكتاب يصلونها قبلهم مقدم على السجود.
ومثل ذلك قول الله عز وجل في آي المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} النساء:١٢، و {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} النساء:١٢، فكان ذكر الدين فيها مؤخراً على ذكر الوصية، وكان المراد فيها أن يكون مقدماً على الوصية.
(شرح مشكل الآثار - ١٠/ ٣٠٥)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن في هذه الآية تقديماً وتأخيراً، فإن الله جل وعلا قدم ذكر السجود على ذكر الركوع، مع أن السجود مقدم على الركوع في جميع الصلوات التي يصليها جميع أهل الأديان.
وهذا التقديم جائز ووارد في لغة العرب.
وفيما قاله الإمام الطحاوي رد على من قال إن هذا التقديم كان لأجل أن السجود كان مقدماً في الشرائع السابقة.
(١) تفسير القرطبي (٤/ ٨٧).