قال أبو جعفر الطحاوي: والآيات أيضاً فقد تكون عبادات، ومن ذلك ما ذكره الله تعالى عن عبده ونبيه زكريا عليه السلام من قوله: {رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} مريم:١٠ ومن قول الله تعالى له: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} آل عمران:٤١.
(شرح مشكل الآثار - ١/ ٦٤)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن الآية التي تحققت لزكريا عليه السلام وهي حبس لسانه عن الكلام مع الناس لمدة ثلاثة أيام، كانت عبادة منه يتقرب بها إلى ربه جل وعلا.
وقد اختلف المفسرون في هذه الآية التي تحققت لزكريا عليه السلام:
هل كانت عبادة له، أم عقوبة له؟ وذلك على قولين:
القول الأول: أن زكريا عليه السلام إنما حبس لسانه عن الكلام تلك المدة: ليخلص فيها لذكر الله، شكراً له على استجابة دعائه، فلا يشتغل لسانه بغير ذكر الله وشكره، قضاء لحق نعمة الولد. (١)
فلم يكن عليه السلام شاكاً في بشارة الملائكة له بالولد، وإنما سأل علامة على وقت الحمل، ليقبل على شكر المنعم المتفضل. (٢)
- وهذا قول: الجمهور. (٣)
القول الثاني: أن زكريا عليه السلام إنما حبس لسانه عن الكلام تلك المدة: عقوبة له على الشك.
لأنه عليه السلام كان شاكاً في بشارة الملائكة له بالولد، فكان هذا شكاً في قدرة الله تعالى، فعوقب بحبس لسانه عن الكلام ثلاثة أيام.
- وهذا قول: قتادة - والربيع - والسدي - وجماعة من المفسرين. (٤)
الترجيح: والقول الراجح الصحيح هو قول جمهور المفسرين وهو:
أن زكريا عليه السلام إنما سأل ربه آية على وجود الحمل، ليبادر بالشكر وليتعجل السرور.
ويدل عليه قوله جل وعلا في هذه الآية: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} آل عمران:٤١.
(١) تفسير ابن جزي (١/ ١٤٤).
(٢) تفسير ابن عطية (٣/ ٧٩).
(٣) تفسير ابن الجوزي (١/ ٣٢٨).
(٤) تفسير أبي حيان (٣/ ١٣٨).