ثانياً: بيان الأقوال في مسألة: هل يكون آمناً في الحرم من ارتكب جناية توجب الحد خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم؟:
- القول الأول: أن من جنى جناية خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم وكانت هذه الجناية توجب قتلاً: أنه لا يقام عليه الحد في الحرم، بل يلجأ إلى الخروج منه، ثم يقام عليه الحد خارج الحرم. (١)
- وهذا قول: عمر بن الخطاب - وعبد الله بن عمر - وابن عباس - وغيرهم.
وهو قول جمهور التابعين، ومن بعدهم.
وإليه ذهب: أبو حنيفة ومن وافقه من أهل العراق، والإمام أحمد ومن وافقه من أهل الحديث.
- ومن أدلة هذا القول:
١ - قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} آل عمران:٩٧، فظاهر الآية الإخبار عن كون الحرم آمناً، ولكن لا يمكن حمله عليه، إذ قد لا يصير آمناً، فيقع الخلف في الخبر، فوجب حمله على الأمر. والتقدير: (ومن دخله فأمنوه) فهو أمر وإن كان في صورة الخبر. كقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة:١٩٧. أي: فلا ترفثوا، ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحج. (٢)
فكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} آل عمران:٩٧ هو أمر لنا بتأمينه، ونهي لنا عن إخراجه وقتله.
ثم لا يخلو ذلك الأمر من أن يكون أمراً لنا بأن نؤمنه من الظلم والقتل الذي لا يستحق، أو نؤمنه من قتل قد استحقه بجنايته.
فلما كان حمله على الإيمان من قتل غير مستحق عليه، تسقط فائدة تخصيص الحرم به، لأن الحرم وغيره في ذلك سواء، إذ كان علينا إيمان كل أحد من ظلم يقع عليه، علمنا أن المراد الأمر بالإيمان من قتل قد استحقه بجنايته.
(١) زاد المعاد (٣/ ٤٤٤).
(٢) انظر: تفسير الرازي (٨/ ١٥١) - وتفسير البغوي (٢/ ٧١).