كما أن ظاهر الآية يقتضي أن نؤمنه من المستحق من ذلك بجنايته في الحرم وفي غيره، إلا أن الدلالة قد قامت من اتفاق أهل العلم على أنه إذا قتل في الحرم قتل فيه، قال جل وعلا: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} البقرة:١٩١. ففرق جل وعلا بين الجاني في الحرم وبين الجاني في غيره إذا لجأ إليه. فبقي حكم الآية التي معنا ثابتاً لمن ارتكب جناية خارج الحرم ثم التجأ إليه.
ونظير قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} آل عمران:٩٧ قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} العنكبوت:٦٧.
وقوله جل ذكره: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} القصص:٥٧.
وقوله جل ذكره: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} البقرة:١٢٥.
فهذه الآيات متقاربة المعاني في الدلالة على حظر قتل وإخراج من لجأ إلى الحرم، وإن كان مستحقاً للقتل قبل دخوله، حتى يخرج بنفسه فيقام عليه ما يستحقه. (١)
٢ - ما رواه أبو شريح العدوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا له: إن الله أذن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب". (٢)
(١) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٢١).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: الإحصار وجزاء الصيد - باب: لا يعضد شجر الحرم - (حـ ١٧٣٥ - ٢/ ٦٥١).
ومسلم في صحيحه - كتاب: الحج - باب: تحريم مكة وصيدها (حـ ٣٢٩١ - ٩/ ١٣١).