فقد دل هذا الحديث على: أن التحريم لسفك الدم المختص بها، هو الذي يباح في غيرها ويحرم فيها لكونها حرماً.
كما أن تحريم عضد الشجر بها، واختلاء خلائها والتقاط لقطتها هو أمر مختص بها، وهو مباح في غيرها، إذ الجميع في كلام واحد ونظام واحد، وإلا بطلت فائدة التخصيص. (١)
كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما أبيح له فيها دم من كان مباحاً في الحل، وقد بين أن ذلك أبيح له دون غيره، فدل هذا على حرمة الدم الحلال فيها على غيره. (٢)
فظاهر الحديث يقتضي حضر قتل وإخراج اللاجئ إلى الحرم والجاني فيه أو خارجه. إلا أن الجاني فيه لا خلاف في أنه يؤاخذ بجنايته فيه، فبقي حكم اللفظ في الجاني إذا لجأ إليه. (٣)
٣ - ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (من أصاب حداً ثم لجأ إلى الحرم فإنه لا يجالس ولا يبايع ولا يؤوى ويأتيه الذي يطلبه فيقول: أي فلان، اتق الله واخرج إلى الحل، فإذا خرج من الحرم أقيم عليه الحد). (٤)
- القول الثاني: أن من جنى جناية خارج الحرم ثم لجأ إلىلحرم، وكانت هذه الجناية توجب قتلاً فحكمه: أن يقام عليه الحد في الحرم.
وقد استحسن كثير ممن قال بهذا القول: أن يُخرج من وجب عليه القتل إلى الحل فيقتل خارج الحرم.
- وهذا قول: عبد الله بن الزبير، والحسن، وقتادة، وعطاء، ومجاهد، وأكثر المفسرين.
وإليه ذهب: الإمام مالك، والشافعي. (٥)
- ومن أدلة هذا القول:
١ - قوله جل وعلا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} البقرة:١٧٨.
(١) زاد المعاد (٣/ ٤٤٢).
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٤/ ٢٠١).
(٣) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٢٢).
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره - سورة آل عمران - الآية (٩٧) (حـ ٧٤٥٧ - ٣/ ٣٦٠) وأورده والسيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٧١).
(٥) انظر: تفسير ابن عطية (٣/ ١٦٨) - وتفسير ابن الجوزي (٢/ ٨).