٢ - فعل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: فعن عطاء قال: (أخذ ابن الزبير سعداً مولى معاوية - وكان في قلعة بالطائف - فأرسل إلى ابن عباس من يشاوره فيهم، إنهم لنا عدو، فأرسل إليه ابن عباس يقول: لو وجدت فيه قاتل أبي لم أعرض له، قال: فأرسل إليه ابن الزبير: ألا نخرجهم من الحرم؟ قال: فأرسل إليه ابن عباس: أفلا قبل أن تدخلهم الحرم؟ فأخرجهم ابن الزبير فصلبهم، ولم ينظر إلى قول ابن عباس). (١)
- وقد رد الإمام الطحاوي هذا الاستدلال: مبيناً أن ابن الزبير لم يكن منه فيما فعل مخالفة لما يراه ابن عباس من أن الحرم يأمن من دخله، وإن كان قد ارتكب جناية توجب الحد خارجه ثم لجأ إليه.
وأما إخراجه لسعيد مولى معاوية وأصحابه بعد أن دخلوا الحرم، فلأنه - رضي الله عنه - لم يجعل دخولهم الحرم أماناً لهم، لأنهم لم يدخلوه باختيارهم لذلك، وإنما كان بفعل غيرهم.
فالأمن بالحرم إنما يتحقق لمن دخله باختياره، لا من دخله باختيار غيره.
وعلى فرض أن ابن الزبير لا يرى تحقق الأمن لمن دخله إن كان قد ارتكب جناية توجب الحد خارجه ثم لجأ إليه، فإن ما قاله ابن عباس هو الأولى، لأن الآية توجب الأمن لداخله، وفي إخراجه تعد على أمنه. (٢)
الترجيح: والراجح هو القول الأول الدال على أن من جنى جناية توجب قصاصاً خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فإنه يكون آمناً ما دام فيه.
فإن الحرم يؤمن من دخله في الإسلام كما كان في الجاهلية، بل إن الإسلام زاده شرفاً وتعظيماً كما في حديث أبي شريح الصحيح.
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
(١) أخرجه الطبري في تفسيره - سورة آل عمران - الآية (٩٧) (حـ ٧٤٥٧ - ٣/ ٣٦٠). وأورده السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٧١).
(٢) شرح مشكل الآثار (٩/ ٣٧٩).