قيل له: هذا محال لاتفاق الجميع على أنه ممنوع من ماله بعد البلوغ إذا كان مفسداً، فدل على أن إيناس الرشد ليس هو العقل فحسب، لأنه لو كان إيناس الرشد هو العقل لما صرفه أحد منه، مع وجود العقل.
(مختصر اختلاف العلماء - ٥/ ٢١٧ - ٢١٨)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن المراد (بالابتلاء) المذكور في الآية: هو الاختبار لأحوالهم في حفظ المال وتبذيره، راداً بذلك على من قال إن المراد بالابتلاء: هو اختبار عقولهم.
كما بين رحمه الله تعالى أن المراد (بالرشد) هو: إصلاح المال، وليس العقل فحسب.
وإليك أولاً: بيان المراد (بالابتلاء) في الآية:
- القول الأول: أن المراد (بالابتلاء) هو: اختبار عقولهم.
- وهذا قول: ابن عباس - ومجاهد - ومقاتل - والثوري - والسدي. (١)
- القول الثاني: أن المراد (بالابتلاء) هو: اختبار عقولهم، واستبراء أحوالهم في المعرفة بالأمور المالية والمصالح من المفاسد.
- وهذا قول: ابن عباس - والحسن - وقتادة - وابن زيد - وأبي حنيفة - والشافعي. (٢)
الترجيح: والراجح هو القول الثاني لأنه لو كان الابتلاء لا يقتضي اختباره بالإذن له في التصرف في الشراء والبيع، وإنما هو اختبار عقله من غير استبراء حاله في ضبطه وعلمه بالتصرف، لما كان للابتلاء وجه قبل البلوغ. فلما أمر بذلك قبل البلوغ علمنا أن المراد اختبار أمره بالتصرف.
ولأن اختبار صحة عقله لا ينبئ عن ضبطه لأموره، وحفظه لماله. ولأن قصر الابتلاء على اختبار عقله بالكلام دون التصرف في التجارة وحفظ المال، هو تخصيص لعموم اللفظ بغير دليل. (٣)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الصواب في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية: بيان المراد (بالرشد) في الآية:
(١) تفسير ابن الجوزي (٢/ ٨٥).
(٢) تفسير الطبري (٣/ ٥٩٣) - وتفسير الرازي (٩/ ١٨٨).
(٣) أحكام القرآن للجصاص - (٢/ ٦٢).