ومما ينبغي التنبه له أن هناك فرق بين الخير والشر الذي هو من تقدير الله جل وعلا، وقد بين هذا الفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول في دعاء الاستفتاح:" والخير كله بيديك والشر ليس إليك". (١)
ومعنى هذا الدعاء: أن الله جل وعلا لا يخلق شراً محضاً، بل كل ما يخلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، فهذا شر جزئي إضافي، فأما شرٌ كلي أو شرٌ مطلق، فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه، وهذا هو (الشر الذي ليس إليه).
ولهذا لم يضف الشر إلى الله جل وعلا مفرداً قط، وإنما يكون داخلاً في عموم المخلوقات، كما في قوله جل وعلا: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} النساء:٧٨. وقوله جل ذكره: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} الزمر:٦٢. (٢)
وبهذا يظهر جلياً أن القدر خيره وشره، قليله وكثيره، ظاهره وباطنه، من الله جل وعلا قضاءً وقدراَ، قدره على خلقه، فلا يعدو واحداً منهم مشيئته، ولا يجاوز قضاءه، بل كلهم صائرون إلى ما خلقهم، واقعون فيما قدر عليهم لا محالة، وكل هذا عدل منه فيهم.
فيجب على العبد المؤمن بربه، الإيمان بالقدر خيره وشره، إذ في الإيمان به سعادة للعبد في الدنيا والآخرة، لأنه متى علم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، اطمأن قلبه وتعلق بربه وصرف أمره إليه.
هذا مع ما في الإيمان بالقدر من تحقيق العبودية المطلقة لله جل وعلا. (٣)
وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
(١) أخرجه الدار قطني في سننه - كتاب: الصلاة - باب: دعاء الاستفتاح (حـ ١ - ١/ ٢٩٦).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية (٥١٧).
(٣) المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد (١/ ١٣٩).