الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن المراد بالآية هو: بيان أن ما يحدث من ميل قلبي عند بعض الرجال إلى إحدى الزوجات دون الأخريات، هو ميل معفو عنه، لأنه مما لا يملكه البشر.
وهذا قول: جمهور المفسرين.
فالأمر الذي يتعذر العدل فيه هو الحب والجماع، فالحب مما لا يستطاع العدل فيه، والجماع تابع له، لأنه عنه يكون، فأمر الله جل وعلا أن يؤتى من ذلك بما يطاق، ولا يؤثر من يهوى فوق القدر الذي يغلب على القلب. (١)
وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " (٢) يعني: ميل قلبه.
وعليه فإن معنى قوله جل وعلا: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} النساء:١٢٩ أي: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم وأزواجكم في حبهن بقلوبكم حتى تعدلوا بينهن في ذلك، فلا يكون في قلوبكم لبعضهن من المحبة إلا مثل ما لصاحبتها، لأن ذلك مما لا تملكونه وليس إليكم، ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك. (٣) بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع لكل واحد، ولذا كان من الواجب القيام به والعدل فيه.
وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم
قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} النساء:١٣٠
قال أبو جعفر الطحاوي: فكأن الزوج إذا قال لامرأته: قد طلقتك على كذا، فقالت هي له: قد قبلت ذلك منك، صارا مفترقين الفرقة التي قال الله عز وجل، وإن لم يتفرقا بأبدانهما.
(١) أحكام القرآن لابن الفرس (٣٢١).
(٢) أخرجه أبو داود في سننه - كتاب النكاح - باب في القسم بين النساء - (ح ٢١٣٤ - ٢/ ٦٠١).
والترمذي في سننه - كتاب النكاح - باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (ح ١١٤٢ - ٥/ ٧٩).
(٣) تفسير الطبري (٤/ ٣١٢).