أ- بأن الإشارة بقوله (يومئذ) إلى يوم اللقاء الذي تضمنه قوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمُ} الأنفال:١٥. (١)
ب- كما أن هذه الآية نزلت بعد انقضاء الحرب والقتال، وذهاب اليوم بما فيه. (٢)
فحكم هذه الآية شرع شرعه الله جل وعلا على المسلمين بسبب تلك الغزوة، لتوقع حدوث غزوات أخرى يكون جيش المسلمين فيها قليلاً كما كان يوم بدر، فنهاهم الله جل وعلا عن الفرار إذا لاقوا العدو، وإن كان أكثر منهم.
فأما يوم بدر فلم يكن فيه حكم مشروع في هذا الشأن، لأن المسلمين وقعوا في الحرب بغتة وتولى الله نصرهم. (٣)
الترجيح: والقول الراجح هو أن حكم الآية عام في جميع المؤمنين إلى يوم القيامة.
لأن الأمر الوارد في الآية مطلق، ولأن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الفرار من الزحف قول عام، وعليه فلا يجوز تقييد أو تخصيص حكم الآية إلا بدليل يجب المصير إليه، ولا دليل على ذلك. (٤)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} الأنفال:٣٣.
قال أبو جعفر الطحاوي: فأعلمه - صلى الله عليه وسلم - أنه يرفع العذاب عنهم، وإن كانوا يستحقونه، باستغفارهم إياه، وكان ذلك الاستغفار - والله أعلم - مما يقع في القلوب أنه لم يكن كان من جميعهم، ولكنه كان من بعضهم، فرفعت به العقوبة عمن كانت منه تلك المعاصي، وعمن لم تكن منه.
(شرح مشكل الآثار - ١١/ ٥٤٠)
(١) تفسير ابن عطية (٨/ ٨٢).
(٢) أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٣٨٧).
(٣) انظر: تفسير ابن عاشور (٩/ ٢٨٦) - وتفسير أبي حيان (٥/ ٢٩٢).
(٤) المغني لابن قدامة (١٣/ ١٨٦).