وهذا الدليل هو: ما روي عن عبد الله بن مُغَفَّل - رضي الله عنه - قال: (أصبت جراباً من شحم يوم خيبر، فالتزمته، فقلت: لا أعطي أحداً اليوم من هذا شيئاً، فالتفت، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتسم). (١)
وما روي عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، يأتي أحدنا إلى طعام من الغنيمة، فيأخذ منه حاجته). (٢)
فقد دلت هذه الأحاديث على جواز أخذ الطعام من الغنيمة في دار الحرب قبل قسمتها، حيث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر هذا الفعل من الصحابة - رضوان الله عليهم - ولم ينكر عليهم ذلك.
وهذا من تخصيص عموم الكتاب بالسنة، ومن أمثلته قوله جل وعلا: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} البقرة:٢٧٥ فهو حكم عام، خص منه البيوع الفاسدة الواردة بالسنة.
كما أن علماء الأمة قد أجمعوا على أن الانتفاع بالطعام في دار الحرب مباح، فدل هذا على أن هذا الفعل غير داخل في مراد الله جل وعلا من الآية التي معنا. (٣)
وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)} الأنفال:٦٥ - ٦٦
(١) تقدم تخريجه (٥٢٩).
(٢) تقدم تخريجه (٥٢٩).
(٣) التمهيد لابن عبد البر (٢/ ١٩).