وقد رد هذا الاستدلال: بأن الوصية كانت واجبة بهذه الآية وذلك قبل أن يفرض الله المواريث، ثم نسخت بعد فرض الميراث، ومع ذلك فإن حكم اللفظ (كتب) الإيجاب إلا أن تقوم دلالة للندب، ولم تقم الدلالة في الجهاد أنه ندب. (١)
القول الثاني: أن الجهاد فرض عين.
- وهذا قول: سعيد بن المسيب.
- ومن أدلة هذا القول: قوله جل وعلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ. . . ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} التوبة:٣٨ - ٤١ فقد دلت هذه الآيات على أن الجهاد فرض عين على كل واحد من المسلمين (٢).
وقد رد هذا الاستدلال:
بأن حكم الجهاد ابتداء فرض كفاية، وأما هذه الآيات فإنها نزلت لبيان حكم حالات خاصة يكون الجهاد فيها فرض متعين على جميع المسلمين - وهذه الحالات الخاصة هي كالتالي:-
إذ هجم العدو على بلاد المسلمين، أو عجز أهل الثغور عن مقاومته، أو استنفر الإمام الأمة لقتاله، فعند ذلك يجب على كل واحد من آحاد المسلمين القادرين الخروج لقتاله. (٣)
القول الثالث: أن الجهاد فرض كفاية.
- وهذا قول: جمهور الأمة (٤)
- ومن أدلة هذا القول:
١ - قوله جل وعلا: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} التوبة:١٢٢ فهذه الآية نهي من الله جل وعلا عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمن مقيم فيها، وإعلام منه جل وعلا لهم أن الواجب هو النفر على بعضهم دون بعض، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر، فدل هذا على أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين. (٥)
(١) أحكام القرآن للجصاص (٣/ ١٦٦).
(٢) المغني لابن قدامة (١٣/ ٧).
(٣) انظر: بدائع الصنائع (٦/ ٥٧) وتفسير ابن الجوزي (٣/ ٢٩٧).
(٤) أحكام القرآن للجصاص (٣/ ١٦٧).
(٥) تفسير الطبري (٦/ ٣٧٤).