بين الإمام الطحاوي الروايات الواردة في سبب نزول الآية، مرجحاً نزول الآية بعد هذه الأسباب جميعاً. كما استدل بالآية على أن الاستغفار للمشركين إنما يحرم بعد موتهم لا في حياتهم.
وهذا قول: جمهور المفسرين.
فهذه الآية جاءت بالنهي من الله جل وعلا عن الاستغفار للمشركين متى ثبت اليأس من إسلامهم. إما بموتهم على الكفر، وإما بنص من الله جل وعلا على أحد منهم بأنه سيموت كافراً كأبي لهب وغيره.
وعليه فإنه يجوز الاستغفار للمشركين الأحياء متى رجي إسلامهم. (١)
.. وأما الأقوال الواردة في سبب نزول الآية فهي كالتالي:-
القول الأول: أن سبب نزول الآية هو: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستغفر لعمه المشرك أبي طالب بعد موته، فنزلت الآية للنهي عن ذلك.
ودليل هذا القول: ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن المسيب بن حزن - رضي الله عنه - وقد تقدم ذكره. (٥٨٦)
القول الثاني: أن سبب نزول الآية هو: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يستغفر لأمه المشركة آمنة بعد موتها، فنزلت الآية للنهي عن ذلك.
ودليل هذا القول: ما أخرجه الحاكم وابن حبان وغيرهما عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وقد تقدم ذكره. (٥٨٧)
القول الثالث: أن سبب نزول الآية هو: أن قوماً من أهل الإيمان كانوا يستغفرون لموتاهم من المشركين. فنزلت الآية للنهي عن ذلك. (٢)
ودليل هذا القول: ما أخرجه الترمذي والنسائي وغيرهما عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقد تقدم ذكره. (٥٨٥)
الترجيح: والراجح هو القول الأول.
وقد قيل إن الآية نزلت بعد حدوث هذه الأسباب جميعاً، وحجة هذا القول:
١ - أن سورة التوبة من آخر القرآن نزولاً، حيث نزلت بالمدينة، ووفاة أبي طالب كانت بمكة في الإسلام قبل الهجرة اتفاقاً. (٣)
(١) تفسير ابن عطية (٨/ ٢٨٨).
(٢) تفسير الطبري (٦/ ٤٨٨).
(٣) تفسير الرازي (١٦/ ٢٠٨).