ومنها "السليقة", وهي من قولهم: فلان يقرأ بالسليقية١, أي: بالطبيعة. وتلخيص ذلك أنها كالنحيتة. وذلك أن السليق ما تحاتّ من صغار الشجر, قال:
تسمع منها في السليق الأشهب ... معمعة مثل الأباء الملهب٢
وذلك أنه إذا تحاتّ لان وزالت شدته. والحتّ كالنحت, وهما في غاية القرب. ومنه قول الله سبحانه: {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ٣ أي: نالوا منكم. وسذا٤ هو نفس المعنى في الشيء المنحوت٥ المحتوت؛ ألا تراهم يقولون: فلان كريم النجار والنجر, أي: الأصل. والنجر والنحت والحت والضرب والدق والنحز والطبع والخلق والغرز والسلق, وكله التمرين على الشيء، وتلييين القوي٦ ليصحب وينجذب. فأعجب للطف صنع الباري سبحانه في أن طبع الناس على هذا وأمكنهم٧ من ترتيبه وتنزيله وهداهم للتواضع عليه وتقريره.
ومن ذلك قولهم للقطعة من المسك: "الصوار"٨ قال الأعشى:
إذا تقوم يضوع المسك أصورة ... والعنبر الورد من أردانها شمل٩
فقيل له: "صوار"١٠ لأنه "فعال" من صاره يصوره إذا عطفه وثناه, قال الله سبحانه: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} ١١ وإنما قيل له ذلك لأنه يجذب حاسة من
١ كذا في أ. وفي ش، ب: "بالسليقة". وكلاهما وارد في اللغة.
٢ "الأباء" كذا في أ. وفي سائر الأصول: "الضرام" وانظر الجمهرة ٣/ ٤١.
٣ آية ١٩، سورة الأحزاب.
٤ كذا في أ. وفي ش، ب: "فهذا".
٥ كذا في أ. وسقط في ش، ب.
٦ كذا في ج. وفي أ: "فوي"، وفي ش، ب: "الأقوى".
٧ كذا في أ. وف ش، ب: "مكنهم".
٨ بكسر الصاد وضمها.
٩ هو البيت الثالث عشر من معلقته المشهورة. والورد الذي لونه لون الورد أي: الأحمر، ويروي "الزنبق" في مكان "العنبر"، والأردان: الأكمام للثوب, وشمل أي عام من شملهم الأمر. وانظر المصباح المنير ٤٣.
١٠ انظر ص ٣٦، مقدمة هذا الكتاب.
١١ آية: ٢٦ سورة البقرة.