فقد يجوز أن يكون من هذا, وقد يجوز أن يكون "أبا قدامة" منصوبًا ب"زادت", أي: فما زادت أبا قدامة تجاربهم إيّاه إلا المجد. والوجه أن ينصب١ ب"تجاربهم"؛ لأنه٢ العامل الأقرب, ولأنه لو أراد إعمال الأوَّل لكان حريّ أن يعمل الثاني أيضًا, فيقول: فما زادت تجاربهم إياه أبا قدامة إلّا كذا, كما تقول ٣: "ضربت فأوجعته زيدًا"، وتضعَّف٤ "ضربت فأوجعت زيدًا" على إعمال الأول. وذلك أنك إذا كنت تعمل الأول على بعده وجب إعمال الثاني أيضًا لقربه؛ لأنه لا يكون الأبعد أقوى حالًا من الأقرب.
فإن قلت: أكتفي بمفعول٥ العامل الأول من مفعول العامل الثاني؛ قيل لك: فإذا كنت مكتفيًا مختصرًا فاكتفاؤك بإعمال الثاني الأقرب أولى من اكتفائك بإعمال الأول الأبعد. وليس لك في هذا مالك في الفاعل لأنك تقول: لا أضمر على غير تقدّم٦ ذكر إلا مستكرهًا, فتعمل الأول فتقول: "قام وقعدا أخواك". فأما المفعول فمنه بُدّ, فلا ينبغي أن تتباعد بالعمل إليه وتترك ما هو أقرب إلى المعمول٧ فيه منه.
ومن ذلك "فرس وساعٌ" الذكر والأنثى فيه سواء, وفرس جواد, وناقة ضامر, وجمل ضامر، وناقة بازل، وجمل بازل، وهو لباب قومه، وهي لباب قومها، وهم لباب قومهم؛ قال جرير:
تذري فوق متنيها قرونًا ... على بشر وآنسة لباب٨
١ في ش: "تنصبه".
٢ في ش: "لأنها". وترى ابن جني يجيز إعمال المصدر مجموعًا، فقد سواه بالفعل، والمتأخرون من النحاة لا يرون هذا، ويجعلون لا يرون هذا، ويجعلون إعمال التجارب إذا أعمل شاذًّا، وقد وافق ابن جني بعض المتأخرين كابن عصفور، وانظر الأشموني والصبان عليه.
٣ كذا في أ، ش. وفي غيرهما: "يقول".
٤ أي: تنسبه إلى الضعف. وضبط في أ: "تضعف" بصيغة مضارع الثلاثي, أي: تضعف هذه الصيغة. وفي الأشباه: "يضعف".
٥ في ش: "بمعمول".
٦ كذا في ش، وفي د، هـ "تقديم" وسقط في أ.
٧ في د: "المفعول".
٨ ورد في الديوان مفردًا. وجاء في اللسان "لبب". وفي اللسان "تدري" بصيغة المبني للفاعل، وفي ش: "تجري" وضبط في أبصيغة المبني للمفعول, وكأن معنى تدريه القرون من الشعر تسريحها وترجيلها.