فأمَّا١ قولهم: اتخذت فليست تاؤه بدلًا من شيء, بل هي فاء أصلية بمنزلة اتَّبعت من تبع, يدل على ذلك ما أنشده الأصمعيّ من قوله ٢:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ... نسيفًا كأفحوص القطاة المطرّق٣
وعليه قول الله سبحانه: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} ٤ وذهب أبو إسحاق إلى أن اتخذت كاتقيت واتزنت, وأن الهمزة أجريت في ذلك مجرى الواو. وهذا ضعيف إنما جاء منه شيء شاذ؛ أنشد ابن الأعرابي:
في داره تقسم الأزواد بينهم ... كأنما أهله منها الذي اتّهلا٥
وروى لها أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان متَّمن٦. وأنشد:
. . . . . . . . . بيض اتَّمن
والذي يقطع على أبي إسحاق قول الله -عز وجل: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} . فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه كذلك, ليس تخذ من لفظ الأخذ.
وعذر من قال: اتَّمن واتَّهل من الأهل, أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى صورة ما أصله حرف لين. وذلك قولهم في افتعل من الأكل: ايتكل, ومن
١ في د، هـ، ز: "وأما".
٢ أي: الممزق العبدي، واسمه شأس بن نهار.
٣ الغرز للناقة مثل الحزام للفرس، والغرز للجمل مثل الركاب للبغل, ويبدو أن المراد هنا المعنى الأول. والنسيف أثر العض الركض ونحو ذلك. والأفحوص: الميض، والمطرق وصف القطاة، يقال: طرقت القطاة إذا حان خروج بيضها، ووصف الأنثى بالمطرق كما يقال: مرضع وحائض.
٤ آية: ٧٧، وسورة الكهف، وهذه قراءة الحسن وابن مسعود، وانظر البحر ٦/ ١٥٢.
٥ "بينهم" كذا في ز. وهو يوافق ما في اللسان، وفي ش: "بينهما", وقوله: "أهله".
كذا في أصول الخصائص. وفي اللسان "أهل": "أهلنا"، وهو الأوفق بالمعنى، يريد ن هذا الممدوح يشرك ضيفه فيما عنده، ويتحدث الشاعر الضيف عن نفسه فيقول: كأنما أهلنا من الدار، وكأنما أهلنا أهله الذي اتهلهم, أي: اتخذهم أهلًا، فأهلنا وأهله سواء في داره.
٦ وهو وصف من اتَّمن، افتعل من الأمان.