٣ - الحلم والأناة
هاتان خصلتان يحبهما الله، كما صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، وقد كان معاوية - رضي الله عنه - مضرب المثل في الحلم والأناة.
قال السيوطي: «وكان يضرب بحلمه المثل، وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفًا في حلم معاوية» (٢).
قال قبيصة بن جابر: «صحبت معاوية، فما رأيت أحدا أنبل حلما، ولا أبعد أناة منه» (٣).
وقال الشعبي: «دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد، فأما معاوية: فللحلم والأناة، وأما عمرو: فللمعضلات، وأما مغيرة بن شعبة: فللمبادهة، وأما زياد: فللصغير والكبير» (٤).
وقال عنه الذهبي: «ورضي الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك.
وإن كان غيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرا منه بكثير، وأفضل، وأصلح، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه، وسعة نفسه، وقوة دهائه ورأيه» (٥).
ومما أُثر عنه - رضي الله عنه - من أقواله في الحلم ما يلي:
- عن عروة بن الزبير قال: «كنت جالسا عند معاوية، فحدَّث نفسه، ثم انتبه؛ فقال: لا حلم إلا بتجربة. يعيدها ثلاثاً» (٦).
(١) في صحيح مسلم (١٧) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة".
(٢) تاريخ الخلفاء (ص: ١٤٩).
(٣) إسناده لا بأس به: أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (١/ ٤٥٨)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٩/ ١٧٨)، وفي سنده مجالد بن سعيد، تقدَّم أنه ليس بالقوي، لكن الخبر هنا مما يتحمله إن شاء الله.
(٤) أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (السفر الثاني- ٢٢٧٣)، وفي إسناده راو يُقال له: عبد الله بن جعثنة، كذا بالأصل، لم أظفر به!
(٥) سير أعلام النبلاء (٣/ ١٣٢ - ١٣٣).
(٦) إسناده صحيح: أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٥٦٤).